أسوأ شىء يحدث فى الفترة المقبلة أن يصاب بعض المستثمرين باليأس ويعطلون أعمالهم لأسباب مختلفة حتى لو كان بعضها وجيها، والدور المهم الذى يفترض أن تلعبه الحكومة أن تقف بجوار هؤلاء المصنعين والمستثمرين وتدعمهم بكل الطرق حتى لا يتوقفوا.
السؤال الطبيعى: وما هو السبب الذى قد يجعل بعض المستثمرين والمصنعين يتوقف عن العمل؟!
نعلم أن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وبعض الأسباب الداخلية كانت شديدة التأثير على الاقتصاد المصرى، خصوصا ارتفاع أسعار العديد من السلع العالمية المستوردة وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين والتحوط وتعطل سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الوقود عالميا، ثم وهذا هو الأهم تعويم الجنيه بحيث ارتفع سعر الدولار من ١٥٫٥٠ جنيه إلى أكثر من ٣٠ جنيها.
ولأن الحكومة تحاول جاهدة محاربة التضخم المرتفع وسحب السيولة من الأسواق ومنع الدولرة، فقد رفعت سعر الفائدة بصور مختلفة بحيث إن سعر آخر شهادة وصل إلى ٢٥٪.
هذه الإجراءات حاربت التضخم، لكنها فى نفس الوقت ستعطل الكثير من الاستثمارات خصوصا فى الزراعة والصناعة، فالمستثمر حينما يقرر الاستثمار فى أى مشروع فسيتجه للبنك للحصول على القروض وحينما لا يقل سعر فائدة الاقتراض عن ٢٠٪، وقتها سيقول لنفسه إن الأفضل له أن يضع نقوده فى شهادات الـ ٢٥٪، بعيدا عن الجرى ووجع الرأس والصداع والروتين.
لكن إذا فكر كل مستثمر بهذه الطريقة فسوف يتضرر الاقتصاد الوطنى ككل وسيتراجع الانتاج خصوصا الزراعى والصناعى، وبالتالى قلة الإنتاج والصادرات وفرص العمل وزيادة الواردات وهو ما يقود لارتفاع الأسعار لمستويات قياسية أكثر أو انخفاض مريع فى مستوى حياة غالبية المواطنين.
السؤال: هل نلوم المستثمرين حينما يتوقفون عن الإنتاج فى ظل هذه الظروف؟
سألت هذا السؤال لمستثمر مصرى بارز، فقال لى: صحيح أن بعض المستثمرين مصابون بالاكتئاب ولا يريدون أن يعملوا ونشاطهم قل إلى حد كبير، لكن ذلك ليس هو القرار الصحيح، حتى لو كانوا يواجهون بعض الصعوبات، لأن الخسارة فى حالة التوقف ستكون أكبر كثيرا عليهم وعلى البلد من الاستمرار فى العمل ومواجهة بعض المشكلات.
فى تقدير هذا المستثمر فإنه ورغم كل الظروف الحالية فإن «البلد ملانة شغل» خصوصا فى قطاعات معينة لم تتأثر كثيرا بالمشكلات الناتجة عن الازمة الأخيرة خصوصا نقص الدولار لتلبية استيراد بعض مكونات الإنتاج.
هو يشرح فكرته قائلا: «قد نعذر صاحب المصنع الذى يستورد معظم خاماته ومكونات ومستلزمات الإنتاج من الخارج. لكن هناك قطاعات كثيرة خصوصا فى الصناعة والزراعة لم تتأثر كثيرا بهذه التداعيات لكونها تعتمد على مكونات محلية وتصدر معظم إنتاجها للخارج، وبالتالى فهى تقدم أفضل مساهمة للاقتصاد الوطنى، لأنها توفر فرص عمل كثيرة للمصريين وتوفر إنتاجا محليا وتوفر دولارات، والأهم أيضا أن بعضها يصدر للخارج وبالتالى يوفر دولارات للاقتصاد المصرى هو فى أمس الحاجة إليها الآن».
أى مستثمر يعمل قيمة مضافة الآن سيجد العديد من النشاط، وبالتالى لا يمكنه أن يلوم الظروف الاقتصادية.
الأمر نفسه فى الزراعة، صحيح أنها تحتاج لأسمدة وتقاوى لكن مكسبها فى الفترة المقبلة كبير وعلى العاملين فيها التغلب على أى صعوبات محتملة حتى تمر الظروف الصعبة الحالية.
هذا فيما يتعلق بالمستثمرين ولكن هل هناك دور للحكومة فى هذا الصدد؟
الإجابة هى نعم، فتنظيم السوق مهمة الحكومة الأساسية ويتضمن ذلك توفير وتهيئة كل الظروف التى تمكن المستثمرين من أداء عملهم فى إطار القانون، والأهم فى مواجهة أى تطورات عالمية خارجية لم يكن لهم دخل فيها مثل وباء كورونا وحرب أوكرانيا.
سيسأل البعض ولماذا تقف الحكومة بجانب مستثمرى القطاع الخاص، أليس عليهم أن يتصرفوا بأنفسهم؟!
الإجابة ببساطة أن أى تعثر للنشاط الاقتصادى حتى لو كان يقوده القطاع الخاص فسيدفع ثمنه البلد بأكمله، فحينما تختفى سلعة أو تشح فإن المواطنين هم الذين سيدفعون الثمن والحكومة هى التى ستتعرض للوم حتى لو كان القطاع الخاص هو المنتج، والسبب أن قرارات الحكومة فى المجالات المختلفة تلعب دورا كبيرا فى التداعيات سواء كانت إيجابية أو سلبية ولنا فى أزمة الفراخ الحالية مثال عملى على ذلك. فعدم توفر الدولار أدى إلى ارتفاع أسعار الاعلاف المستوردة التى تم حجزها بالموانئ، والنتيجة وصول أسعارها لمستويات قياسية.
المهم أننا جميعا شركاء فى هذا الوطن. وبالتالى فمطلوب منا جميعا كل فى موقعه أن يبذل كل الجهود وأفضلها حتى نمر من هذه الأزمة الصعبة إن شاء الله.