بقلم - عماد الدين حسين
من يتأمل خريطة المنطقة العربية سوف يكتشف أن مصر محاطة بما يشبه حزام النار منذ أكثر من عشر سنوات وحتى هذه اللحظة.
فى فترة يكون هذا الحزام أكثر اشتعالا من ناحية الغرب، وفى فترة أخرى من ناحية الجنوب، لكنه مشتعل دائما من ناحية الشرق، حيث العدو الأساسى والأكبر ومعه بعض قوى التطرف والإرهاب حتى لو بدت الصورة ساكنة أحيانا.
هل هذا الحزام مصنوع ومخطط للتآمر على مصر، أم أنه بفعل التخلف والاستبداد فى المنطقة، أم أنه خليط بين هذا وذاك؟!. ظنى أن الإجابة الثانية هى الأدق.
مكتوب على مصر منذ عام النكبة العربية الكبرى عام ١٩٤٨ أن تعيش هاجس وجود عدو غريب تم زرعه بالقوة فى المنطقة العربية كى تستمر مشرذمة ومقسمة.
مصر خاضت مع هذا العدو حروب ١٩٤٨ و١٩٥٦ و١٩٦٧ و١٩٧٣، ورغم معاهدة السلام الموقعة عام ١٩٧٩، عقب اتفاقيات كامب ديفيد عام ١٩٧٨ وزيارة الرئيس الأسبق أنور السادات للقدس فى نوفمبر ١٩٧٧، فإن إسرائيل تظل هى العدو الأخطر الذى يهدد الأمن القومى ليس لمصر فقط، ولكن لكل الأمة العربية.
وبسبب إسرائيل واحتلالها قويت شوكة المتطرفين العرب لمواجهة صهيونية إسرائيل وإصرارها أن تكون دولة لليهود فقط، وليست لكل مواطنيها وهكذا رأينا تنظيمات متطرفة حولت الحدود مع غزة إلى نقطة توتر دائمة لا تهدأ إلا قليلا.
وفى الشرق أيضا هناك التوترات المستمرة بين تركيا وكل من اليونان وقبرص خصوصا بعد اكتشاف الغاز، وبدلا من تحول هذه المنطقة إلى نموذج للتعاون، رأينا صراعات كادت تتحول إلى حروب عسكرية بين الطرفين، خصوصا بعد الاتفاقيات بين الحكومة التركية وحكومات الميليشيات المتعاقبة فى ليبيا.
وإلى الغرب هناك ١٢٠٠ كيلو متر من الحدود مع ليبيا، ومنذ سقوط نظام معمر القذافى أواخر عام ٢٠١١، وإصرار الغرب وبعض الحكومات العربية على عدم جمع السلاح المنفلت، فقد نشأت وترعرعت هناك ميليشيات معظمها تمثل جماعات متطرفة ومدعومة من دول لم تكن تريد لمصر الاستقرار. وهكذا رأينا العديد من الأعمال الإرهابية فى مصر قادمة من ليبيا التى تحولت إلى بؤرة لنشر التطرف فى عموم المنطقة ولولا الموقف المصرى الحاسم بإعلان الخط الأحمر «سرت ــ الجفرة» فى صيف ٢٠٢٠، لربما تمكن الإرهابيون من بسط كامل سيطرتهم على ليبيا.
أما فى الجنوب الشرقى فإن استمرار الأزمة اليمنية المندلعة منذ عام ٢٠١٥ جعل هذه الحدود ملتهبة أيضا، خصوصا فى ظل الدعم الإيرانى لجماعة الحوثيين التى هددت الملاحة أكثر من مرة فى البحر الأحمر، ويضاف إلى ذلك عدم الاستقرار فى الصومال، والصراع فى إثيوبيا بين الحكومة وجبهة التيجراى، مما زاد من صعوبة الاستقرار فى منطقة القرن الأفريقى وبالتالى محاولات التأثير على الملاحة فى قناة السويس.
المشكلة الأكبر الآن هى الحدود الجنوبية حيث السودان الشقيق، وبعد اندلاع الاشتباكات الدموية بين الجيش السودانى بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتى»، فإن الأوضاع هناك صارت مرشحة لمزيد من التوتر، خصوصا فى ظل عدم تنفيذ الاتفاق الإطارى بين القوى المدنية العسكرية الموقع فى ٥ ديسمبر الماضى، والصراع على الفترة الانتقالية، وكيفية دمج قوات الدعم السريع فى القوات المسلحة، والمشاكل العميقة الأخرى خصوصا فى دارفور وشرق كردفان، ويضاف إليها أزمة اقتصادية خانقة.
مصر من أول الدول التى ستتأثر سلبا إذا استمر التوتر فى السودان لا قدر الله، فهى العمق الحقيقى لمصر، ومنها يمر نهر النيل الآتى من الهضبة الإثيوبية وبحيرة فكتوريا. ثم إن استمرار التوتر فى السودان يقوى من شوكة وعنجهية إثيوبيا الرافضة لكل الحلول السلمية لأزمة سد النهضة، ولا تريد التوصل لاتفاق قانونى ملزم لإدارة وتشغيل وملء السد.
هذه هى الصورة الراهنة للحدود المصرية من الجهات الأربعة.
صحيح أن هناك بعض الانفراجات فى العلاقات مع تركيا، وهناك بادرة أمل لمصالحة سعودية إيرانية قد تهدئ الأمور قليلا فى بعض الملفات الملتهبة بالمنطقة، لكن جوهر المشاكل لم يتم حله حتى الآن.
ويتزامن مع كل ذلك أزمة اقتصادية صعبة لا تضرب مصر فقط، بل عموم المنطقة، وأجزاء كبيرة من العالم، مما يزيد من حالة القلق والتوتر وعدم اليقين.
نتمنى أن يسود صوت العقل فى السودان، وأن تكون هناك حكومة موحدة تمثل الجميع وجيش وطنى واحد، وليس ميليشيات متعددة، حتى ينعم الشعب السودانى بالاستقرار الذى سوف ينعكس علينا فى مصر.