بقلم - عماد الدين حسين
أن تعود سوريا إلى مقعدها الطبيعى فى الجامعة العربية فهو أمر يسعد كل عربى طبيعى وسوى، لكن السؤال الأهم هو ما هى سوريا التى نريدها أن تعود للعرب؟!
أطرح هذا السؤال من واقع حضورى للقمة العربية التى انعقدت فى جدة لعدة ساعات عصر يوم الجمعة الماضى.
كنت موجودا فى فندق الريتز حيث انعقدت القمة، وكنت موجودا فى قاعة المؤتمر الصحفى الذى عقده الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبوالغيط ووزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان، وداخل هذه القاعة كل الصحفيين العرب وبعض كبار الكتاب الذين تمت دعوتهم لحضور القمة.
حينما هبط الرئيس السورى بشار الأسد من طائرته فى مطار جدة، وحتى دخوله قاعة الاجتماعات داخل القمة، كان شديد الابتسام، وهو الأمر الذى جعل البعض يحاول تفسير مغزى هذه الابتسامات، هل هى للتعبير عن الرضا والعودة أخيرا للجامعة وللأشقاء العرب، أم أنها إحساس العائد منتصرا من معركة طويلة استمرت منذ بدايات عام ٢٠١١؟!
كان واضحا أن غالبية الدول العربية ــ إلا قليلا ــ رحبت بعودة سوريا للجامعة، وهو أمر طيب بطبيعة الحال، وبالتالى فالمفترض أن ترد سوريا بنفس الروح، وأن تتعامل مع شقيقاتها العربيات بمنطق أننا نهدف لمعالجة المشكلات التى قادت إلى هذه الأزمة، أما إذا ساد أى منطق آخر فستكون تلك أخبارا سيئة للمنطقة العربية بأكملها وليس لسوريا فقط.
المفترض أنه بعد ١٢ عاما من الحرب الأهلية والصراع الدموى فإن الخاسر الأكبر فى كل ما حدث هو الشعب السورى المغلوب على أمره ومعه المنطقة العربية بأكملها وفى مقدمتها الدول التى استقبلت أكبر عدد من اللاجئين خصوصا الأردن ولبنان وتركيا. وبالتالى فالمفترض أن هذه المعركة لم يكن فيها رابحون بل الكل خاسرون، وإذا كان هناك من رابح فهو إسرائيل وكل من يعادى الأمة العربية.
ما أقصده أنه لا ينبغى على أى طرف فى هذه الأزمة أن يزعم أنه كسب وربح وأن الآخرين خسروا.
مرة أخرى الجميع خسر وكسبت إسرائيل وقوى إقليمية أخرى وكذلك تنظيمات إرهابية، وبالتالى على الجميع أن يتحلى بالتواضع ويتعامل مع هذا الوضع بالحكمة.
أقول ذلك كمواطن عربى محب لسوريا ولكل البلدان العربية الأخرى من المحيط للخليج، ويوم الجمعة وخلال وجودنا فى قاعة المؤتمر الصحفى تحدثت زميلة صحفية سورية، وبدلا من أن توجه سؤالا مهنيا مباشر للمنصة فإنها راحت تتحدث وكأنها تلقى خطبة، وألمحت إلى توجيه الانتقادات ضد الأمين العام السفير أحمد أبو الغيط، فى حين أن زميلة سورية أخرى حاولت بكل الطرق الحديث لكنها لم تفلح لأن أحمد أبوالغيط كان يريد اللحاق بطائرته عائدا إلى القاهرة.
أعذر الزميلتين السوريتين، فهما أرادتا الحديث بأى ثمن، بعد غياب طويل عن مثل هذه المؤتمرات، لكن من المهم تماما أن يتوقف الحديث بهذه الصورة غير المهنية ثم إنها طريقة عفا عليها الزمن.
ولم يعد مثل هذا الحديث لائقا أو مناسبا. دور الصحفى أن يحصل على معلومة محددة، من خلال سؤال مهنى قصير ومحدد، ليس دور الصحفى أن يكون خطيبا أو سياسيا أو وكيلا عن حزب أو حكومة أو نظام إلا إذا كان ذلك واضحا للجميع، بمعنى أن يكون صحفيا فى صحيفة حزبية معلنة.
من المهم جدا أن تعود سوريا لمحيطها العربى بصورة مختلفة عن الماضى وتتعامل باعتبار أن هناك مأساة ضربت سوريا والمنطقة، وأنه يصعب التعامل وكأن الـ١٢ عاما الماضية لم تكن موجودة.
محاولة القفز على كل السنوات السابقة وكأنها لم تكن، سيكون أمرا سيئا للغاية ويعنى ببساطة أننا أمة لا تتعلم من التاريخ ولا من الأخطاء والخطايا من دون تدبر أو توقف. تحتاج سوريا أن تتغير ليس لصالح القوى الإرهابية مثل داعش والقاعدة وبقية التنظيمات المدعومة من أمريكا وإسرائيل وتركيا، ولكن تتغير لمصلحة غالبية شعبها، من أجل إرضائه وليس إرضاء هذه الدولة أو تلك.
نريد سوريا جديدة قدر الإمكان حتى تخرج من هذه الأزمة الطاحنة التى تعيشها، ولا نريد سوريا القديمة التى تسببت مجمل سياساتها فى وصولها إلى هذه المأساة المروعة.
مرحبا بسوريا وبكل الأشقاء السوريين.