بقلم - عماد الدين حسين
ما الذى حدث فى روسيا طوال يوم السبت الماضى؟!
ظنى أن الإجابة عن هذا السؤال ستظل ناقصة لوقت طويل حتى يحين موعد الكشف عن كامل أسرار وتفاصيل تلك اللحظات شديدة الغرابة.
صباح السبت الماضى استيقظ الشعب الروسى وغالبية العالم على خبر من العيار الثقيل هز العالم أجمع. وهو تمرد قائد قوات «فاجنر» العسكرية الروسية الخاصة يفجينى بريغوجين على الدولة الروسية، بل وإعلانه أن قواته ستتحرك للسيطرة على موسكو وتغير قادة الجيش والنخب الفاسدة.
بريغوجين الذى بدأ حياته طباخا وتاجرا للنقانق ثم صار يمتلك شركة خاصة للمأكولات ويتخصص فى إقامة الولائم الكبرى للشخصيات المهمة، ثم للكرملين، كون شركة عسكرية خاصة أو بلغة أخرى قوات مرتزقة تتولى القيام بأعمال عسكرية محددة نيابة عن الحكومة الروسية، وهو ما تم ترجمته فى أكثر من مكان خصوصا ليبيا وسوريا ومالى ويتردد أنه الداعم الرئيسى لميليشيات الدعم السريع فى السودان التى تقاتل الجيش السودانى حاليا.
بريغوجين وعمره ٦٢ عاما الذى يوصف بأنه طباخ الرئيس فلاديمير بوتين أو طباخ القصر، حارب هو وقواته فى شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤ حينما استولت عليها روسيا من أوكرانيا، وتلك كانت بداية التدشين الفعلى لمجموعته المسلحة، ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير من العام قبل الماضى فإن قوات فاجنر كان لها دور مهم فى هذه «العملية العسكرية الخاصة» حسب التعبير الروسى، وهى التى لعبت الدور الأكبر فى السيطرة على مدينة «باخموت» الأوكرانية الاستراتيجية بعد قتال استمر أسابيع طويلة وانتهى فى الشهر الماضى.
وضع «فاجنر» القانونى غامض، وغير معترف بهم قانونا من الناحية النظرية فى روسيا. وتعمل على نحو مستقل عن الجيش، ورفضت توقيع مجنديها على عقود رسمية معه.
المفاجآة أن بريغوجين بدأ منذ شهور توجيه انتقادات علنية لقادة الجيش الروسى خصوصا وزير الدفاع سيرجى شويفو أو رئيس الأركان فاليرى غيراسيموف بل وصل الأمر بأن اتهمهما بتوجيه ضربات صاروخية ومدفعية لجنوده، وهو الأمر الذى تم نفيه مرارا وتكرارا.
كان مفترضا أن يتدخل الرئيس بوتين ليحسم الجدل ويوقف بريغوجين عن ترديد هذه الاتهامات وإساءة الجدل والشقاق أو يحقق فى الاتهامات ويحاسب قادة الجيش، لكن المفارقة أن بوتين ظل صامتا طوال الوقت، حتى وجه بريغوجين ضربته الكبرى وأعلن تحرك قواته من مناطق سيطرتها فى أوكرانيا باتجاه الحدود الروسية، ودخل مدينة روستوف جنوبى روسيا وأعلن سيطرته عليها وعلى المنشآت العسكرية فيها، بما فيها المطار، بل أعلن عن إسقاط مروحية للجيش الروسى، أما التطور الأخطر فهو إعلانه تحرك قواته وعددها حوالى ٢٥ ألف مقاتل للسيطرة على العاصمة موسكو، التى قال إنها على مسافة ٢٠٠ كيلومتر فقط.
الحكومة الروسية أعلنت فرض حالة مكافحة الإرهاب وألغت العديد من الفعاليات وأغلقت بعض الطرق السريعة. ثم خرج الرئيس بوتين ليصف التمرد المسلح بأنه خيانة وطعنة فى الظهر وأن الرد سيكون صارما وقاسيا، ورد عليه بريغوجين بأن كلامه مخيب للآمال بل ألمح إلى أن الشعب الروسى يريد رئيسا جديدا.
لكن لم ينته اليوم إلا وكانت القصة قد انتهت بإعلان الرئيس البيلاروسى الكسندر لوكاشينكو أنه تواصل مع بريغوجين واتفق معه على إنهاء التمرد والقدوم إلى بلاده، وفى نفس الوقت أعلنت السلطات الروسية إسقاط كل التهم عن الرجل ومقاتليه وكأن شيئا لم يكن.
من حق الجميع بعد كل هذه التطورات الدراماتيكية أن يندهشوا ويتعجبوا ويضربوا أخماسا فى أسداس ويسألون، ما حقيقة ما حدث، وهل كانت مجرد تمثيلية ليعرف فيها بوتين أنصاره من خصومه، وكيف سيتصرف الغرب وأوكرانيا، وهل صحيح أن الأسلحة النووية الروسية، كان يمكن أن تقع فى يد هذا الرجل المغامر، كما ألمح نائب رئيس مجلس الأمن القومى ميدفيديف؟!
ثم أسئلة مهمة أخرى حول مصير جنود فاجنر وعددهم يزيد على ٢٥ ألف مقاتل أو متعاقد، وهل يتم محاكمتهم أم تسريحهم أم دمجهم فى الجيش الروسى النظامى كما كان يريد الجيش من البداية؟
الأسئلة الغامضة بشأن ما حدث طوال يوم السبت أكثر من الإجابات، لكن المؤكد أن وجود ميليشيات أو قوات خاصة بعيدة عن الجيش الرسمى أمر مزعج ومقلق فى كل مكان خاصة إذا كان هذا المكان به أسلحة نووية.
كل ما سبق أسئلة مهمة تحتاج قراءة هادئة لعلها ترشدنا إلى المخاطر التى تهدد العالم أجمع فى الفترة المقبلة.