بقلم - عماد الدين حسين
من يتعامل مع السياسة باعتبارها أمرا جامدا ثابتا لا يتغير فقد يصاب بالدهشة أولا، ثم الارتباك ثانيا، فالصدمة ثالثا، وربما بالعديد من الأمراض النفسية.
أظن أن ما سبق كان حال بعض المتابعين فى منطقة الشرق الأوسط وهم يتابعون أخبار صباح أمس الأول الإثنين. يومها كان الدكتور مصطفى مدبولى يترأس وفدا مصريا رفيع المستوى يلتقى مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثان فى العاصمة الدوحة ويتبادلان عبارات الشكر والتقدير ويتحدثان عن العلاقات الأخوية والمتميزة بين البلدين وكيفية دفعها للأمام. وفى نفس اللحظة كان وزير الخارجية سامح شكرى يلتقى مع الرئيس السورى بشار الأسد فى دمشق ويعلن تضامن مصر حكومة وشعبا مع سوريا فى مواجهة آثار الزلزال، ثم يطير إلى تركيا ويلتقى وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو فى أضنه، ويطيران مع فى مروحية إلى مرسين لاستقبال سفينة المساعدات الإنسانية المصرية السادسة تضامنا مع تركيا فى مواجهة الزلزال المدمر الذى ضربها وسوريا يوم ٦ فبراير الماضى وأدى لمقتل حوالى ٥٠ ألف شخص وإصابة الآلاف ودمار آلاف المنازل فى البلدين.
يصف البعض التحركات السياسية فى المنطقة مع تركيا وسوريا بعد الزلزال بأنها «دبلوماسية الكوارث أو الزلازل».
نعرف أن علاقات مصر بكل من قطر وتركيا مرت بمرحلة شديدة الصعوبة فى أعقاب ثورة المصريين فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وإزاحة جماعة الإخوان من الحكم، ورغم محاولات متعددة من قوى كثيرة، فقد تبين للجميع فى النهاية أن الرهان على هذه الجماعة وأخواتها خاسر، وهكذا تغلبت السياسة على العواطف والخطط، وتخلى كثيرون عن الجماعة ــ ولو بصورة مؤقتة وظاهرية ــ وبالتالى بدأت العلاقات تتحسن بصورة مطردة.
تطورات الإثنين هى محصلة مهمة للتحسن فى علاقات مصر مع الدول الثلاث قطر وتركيا وسوريا، منذ قمة العلا فى المملكة العربية السعودية فى 5 يناير عام ٢٠٢١، حينما عادت العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين قطر وكل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
ونعرف أن أمير قطر زار مصر مرتين منذ هذا التاريخ، فى حين زار الرئيس عبدالفتاح السيسى الدوحة، وحضر افتتاح كأس العالم لكرة القدم فى ٢٠ نوفمبر الماضى، ويومها صافح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أعقبها اجتماع مهم ومطول بينهما اتفقا خلاله على إعادة العلاقات لمستواها الطبيعى.
فى الدوحة أكد أمير دولة قطر على تعزيز العلاقات مع مصر وزيادة حجم الاستثمارات القطرية، مشيدا بدور المصريين العاملين فى قطر، ورد مدبولى بأن علاقات مصر وقطر قديمة وراسخة.
لقاء شكرى والأسد مهم جدا، وسبقه بأيام زيارة رئيس مجلس النواب المستشار حنفى جبالى لدمشق ضمن وفد اتحاد البرلمانات العربية ولقاؤهم مع الأسد، وهو أرفع مسئول مصرى يزور سوريا منذ شتاء ٢٠١١. لكن من المهم الإشارة إلى أن العلاقات المصرية السورية ورغم برودها الشديد لكنها لم تصل لحد القطيعة خصوصا أن البلدين كانا يواجهان عدوا واحد وهو الإرهاب المدعوم من قوى عربية وإقليمية ودولية. وفى كل الأحوال فالزيارة قد تفتح الباب لمزيد من تحسن العلاقات.
أما الزيارة الأهم فى كل تحركات الإثنين الماضى، فهى زيارة شكرى لتركيا ولقاؤه مع وزير خارجيتها، حيث أكد أن مصر ستفعل كل ما فى وسعها لدعم الجهود المبذولة لمؤزارة الشعب التركى.
نعود إلى ما بدأنا عن السياسة التى قد تصيب بعض الناس بالصدمة. هؤلاء يعتقدون أن الصداقات والعداوات فى السياسة دائمة، وهم لا يقرأون التاريخ ولا يتذكرون أو يتدبرون أن كل الدول والأمم والشعوب تختلف وتتخاصم ثم تجلس وتتفاوض وتتصالح. لا أحد فى السياسة يتفاوض مع صديقه بل مع خصمه، وإذا كانت مصر قد تفاوضت وتصالحت ــ رسميا ــ مع إسرائيل، ألا تفعل ذلك مع دول عربية وإسلامية شقيقة وصديقة؟
من الجيد أن تكون المبادئ الأخلاقية هى الحاكمة فى كل شىء، ويا حبذا لو اجتمعت هذه المبادئ مع المصالح العليا للدولة.
لكن مشكلة البعض خصوصا فى منطقتنا العربية، أنهم يعتقدون أن الخلاف مع دولة أو حكومة يفترض أن يستمر لأبد الآبدين، ومن يقرأ حقيقة ما يحدث فى المنطقة والعالم من حين لآخر سيدرك أن كل شىء متغير. فصديق الأمس قد تختلف معه اليوم، وخصم الأمس، قد يصبح صديق اليوم والغد، وتلك هى السياسة فلا تتعجبوا أو تندهشوا أو تنصدموا!