بقلم - عماد الدين حسين
فى شارع نوبار فى وسط البلد رأيت مشهدا يعبر عن حجم التناقض بين الانضباط والفوضى، بين النظام والعشوائية.
فى تقاطع نوبار مع شارع إسماعيل أباظة وقرب محطة مترو سعد زغلول، تمكن الباعة الجائلون وسائقو الميكروباص والتكاتك من احتلال المنطقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بما لا يسمح أحيانا حتى بمرور المشاة، وليس السيارات الملاكى.
المنطقة مزدحمة أساسا بسبب أنها تقع فى قلب منطقة مربع الوزارات فهى تلاصق وزارات الإنتاج الحربى والتعليم العالى والإسكان والتعليم والضرائب العقارية والمجلس الأعلى للآثار والعديد من المؤسسات الحكومية والبنوك كما أنها قريبة جدا من وزارة الصحة ومجالس النواب والشيوخ والوزراء ومنطقة جاردن سيتى، وبالتالى يتكالب عليها الباعة الجائلون ومحلات الخضراوات والفاكهة وسائقو الميكروباصات والتكاتك لاصطياد أكبر عدد من الزبائن.
ومن كثرة الفوضى والارتباك تعرض الشارع للتكسير، وإذا تجرأ أحد من المارة أو السكان على تحدى هذه البهدلة فقد لا يسلم من أذى المحتلين.
بين حين وآخر كنت أرى شرطة المرافق تشن حملات لتطبيق القانون، لكنها لا تستغرق دقائق، وبعدها يعود كل شىء لحال سبيله.
كنت أسكن حتى أربع سنوات فى هذا الشارع، وبرغم حبى للمنطقة، فلم أتمكن من الاحتمال وغادرتها حزينا، لكنى أعود إليها بين الحين والآخر لزيارة أصدقاء أو أقارب. وقبل أيام فوجئت بمشهد لم أتخيله. تم رفع كل الاعتداءات على شارع نوبار وإعادة رصفه، ومنع وقوف التكاتك أو السيارات الميكروباص «التمناية» مع وجود موظف من المرافق للتأكد من تطبيق القانون، وحينما عدت مرة أخرى بعد ثلاثة أيام فوجئت بأن هذا النظام ما يزال مطبقا.
طبعا سائقو التكاتك والميكروباصات هم الأكثر تضررا من فرض هذا النظام، هم لم يفقدوا كل شىء، ولكنهم يتحايلون على الأمر وينقلون «موقفهم» مؤقتا بعيدا قليلا عن الموقف المتميز بجوار محطة المترو وسوق الخضار والفاكهة. والطريف أنهم يرسلون شخصا يسأل عمن يريد توك توك لكى يرشده إلى المكان البديل.
الهدف الجوهرى من كل ما سبق هو البرهنة على أن الحكومة وسائر الأجهزة المحلية حينما تريد تنفيذ شىء فهى تنفذه فعلا وعلى الفور.
كنت أعتقد أن كثرة مشغوليات الحكومة لا تجعلها تركز فى كل شىء، لكن نموذج ما حدث فى شارع نوبار والعديد من النماذج الأخرى خصوصا خلال بعض القضايا والحوادث، يؤكد أنها قادرة على أن تفعل كل شىء إذا أرادت. وبالتالى فالسؤال الجوهرى هو: لماذا لا يكون ما حدث بصورة مؤقتة فى هذا الشارع هو الأصل فى كل الشوارع والمناطق؟!
لماذا يشعر غالبية المخالفين فى الشوارع والمعتدون على القانون، أنهم فى مأمن من أى عقاب، وما الذى يجعلهم يشعرون بهذه الثقة؟!
لماذا تترك الأجهزة المحلية وشرطة المرور سائقى التكاتك يعيثون فى الشوارع فسادا بهذا الشكل الذى نراه، ولم يعد قاصرا فقط على المخالفات المرورية، بل التسبب فى تشوهات نفسية وأخلاقية وقيمية وكذلك إفساد الذوق العام، ولماذا يزيد عدد هؤلاء ويكتسبون كل يوم أرضا جديدة، بدلا من تقنين عملهم كما بشرتنا وزارة التنمية المحلية أكثر من مرة،؟! لكن شيئا فعليا من ذلك لم يتحقق وصارت التكاتك تسير فى الشوارع الرئيسية وأحيانا بصورة عكسية على الطرق الدائرى؟!
نحلم أن يتحول ما حدث فى شارع نوبار قبل أيام ليكون هو الأصل وليس الاستثناء.