بقلم - عماد الدين حسين
المستشار بهاء الدين أبوشقة وكيل أول مجلس الشيوخ دعا فى جلسة المجلس ظهر يوم الإثنين الماضى إلى «تحصيل نسبة من المصريين العاملين فى الخارج كحق للدولة التى ربتهم وعلمتهم»، والحمد لله أنه تراجع عن فكرته ليلا قائلا إنه لم يكن يقصد ما فهمه الناس.
مطالبة أبوشقة ــ وهو الرئيس السابق لحزب الوفد ــ جاءت خلال مناقشة مجلس الشيوخ فى جلسته العامة لطلب النائبة هيام فاروق بنيامين لسياسات الحكومة فى تحفيز المصريين بالخارج.
كلام أبوشقة ــ وهو محام معروف ــ قد يكون له بعض الإيجابيات فى نظر البعض، وقد يكون له العديد من السلبيات فى نظر الكثيرين، وبالتالى فعلينا جميعا أن نجتهد فى مناقشته بهدوء وموضوعية بعيدا عن الانفعال حتى نصل لرؤية سليمة.
أبوشقة طالب بضرورة توافر منظومة قانونية حاكمة تحدد الحقوق والواجبات بالنسبة للمقيمين فى الخارج، وتنظم عملهم وأن يكون للدولة نسبة مئوية من دخلهم، وطالب أيضا بوجود قاعدة بيانات للمصريين فى الخارج وأن نعرف كل شىء عنهم.
أتفق مع الكثير مما جاء فى كلمة أبوشقة، وأتحفظ وأعترض فقط على بند تحصيل أو اقتطاع جزء من دخل المصريين بالخارج.
يطالب أبوشقة بوجود منظومة قانونية لعمل المصريين بالخارج، وهو أمر مهم، ونتمنى أن يتحقق اليوم قبل الغد، لكن لماذا لم تفعل كل الحكومات السابقة ذلك؟ هذا سؤال يفترض أن تجيب عنه الحكومة.
يطالب أبوشقة بأن يكون لدى الدولة كل البيانات والمعلومات عن المصريين بالخارج، وهو مطلب مهم، وأظن أن تحقيقه ليس بالصعب، فلدينا العديد من الهيئات والمؤسسات والوزارات والأجهزة التى تملك بيانات كثيرة عن المصريين بالخارج، مثل الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة القوى العاملة ووزارة الخارجية عبر سفاراتنا الكثيرة فى الشارع، وكذلك عبر وزارة الداخلية التى تصدر تصاريح العمل للعاملين بالخارج، وأظن أنها تتقاضى رسوما على ذلك، كما تتقاضى الخارجية بعض الرسوم نظير توثيق بعض الأوراق خصوصا الشهادات أو إصدار وثائق السفر والأوراق القنصلية للمصريين بالخارج.
المعرفة الدقيقة لكل ما يخص المصريين بالخارج أمر مهم لحل أى مشاكل تواجههم، وكذلك لتنظيم الاستفادة منهم ومن خبراتهم. وأظن أن وزارة الهجرة بذلت جهدا مشكورا فى أثناء تولى السفيرة نبيلة مكرم، عبر مؤتمرات «مصر تستطيع»، حيث حاولت قدر الإمكان الاستفادة من خبراتهم، ولا أعرف المردود النهائى لهذه المبادرة.
أعود لما طرحه المستشار أبوشقة والسؤال الأول: هل هناك دول فى العالم تفرض ضريبة أو تستقطع جزءا من دخل أبنائها العاملين فى الخارج، وما عدد هذه الدول، وما هى الظروف التى أدت لذلك، والأهم هل حققت هذه الفكرة هدفها، أم كانت نتائجها سلبية؟
النقطة الثانية والمهمة، هل لدينا أى تصور عن تأثير هذه الفكرة على تحويلات المصريين بالخارج أم لا؟
نعلم أن تحويلات المصريين بالخارج تتراوح بين ٢٩ و٣٢ مليار دولار فى السنوات الأخيرة، صحيح أنها لا تذهب إلى خزينة الدولة، ولكنها صارت المصدر الأهم للعملة الصعبة فى البلاد، وقد حاولت تنظيمات إرهابية ومتطرفة ضرب هذا المصدر فى السنوات الأخيرة عبر الشائعات والحيل والألاعيب لكنها فشلت، كما حاول تجار كثيرون الاتفاق مع تكتلات المصريين بالخارج للحصول على دولارتهم وتسليمها لأقاربهم بالجنيه فى مصر.
أعرف أن العديد من المبادرات الأخيرة ومنها مبادرة استيراد السيارات هدفها الأساسى هو الحصول على العملة الصعبة فى ظل النقص الفادح منها فى الشهور الأخيرة.
لكن أسوأ ما أخشاه أن تؤدى مثل هذه النوعية من المقترحات والأفكار إلى التأثير الحقيقى على تحويلات المصريين بالخارج. هى فكرة قد تؤدى لتحصيل الدولة لمليار أو مليارين من دولارات المصريين بالخارج، لكنها قد تؤدى إلى تقليل التحويلات من الأساس.
كان جيدا أن يصحح أبو شقة ويوضح بأنه قصد فقط حماية الطلاب المصريين الدارسين فى الخارج، وكان مهما أيضا أن تصرح وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج سها جندى بأن الحكومة لا تتدخل فى الرواتب والحسابات الشخصية للمصريين المقيمين بالداخل أو بالخارج.
مرة أخرى أتمنى أن تخضع مثل هذا الأفكار لنقاشات جادة ومعمقة وهادئة من كل الجهات ذات الصلة، قبل أن يتم طرحها للرأى العام، حتى لا تتسبب فى سلبيات نحن فى غنى عنها، خصوصا فى هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.