بقلم - عماد الدين حسين
الرئيس عبدالفتاح السيسى وقرب نهاية كلمته المهمة أمام الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادى عصر يوم الثلاثاء الماضى، تحدث عن الإعلام المصرى وضرورة أن يناقش القضايا بصورة شاملة ويضعها فى سياقها الشامل والكامل.
كنت حاضرا هذه الجلسة بدعوة كريمة من مجلس الوزراء، ثم فوجئت بالرئيس السيسى مشكورا يوجه لى الكلام قائلا: «فين عماد.. أستاذ عماد إزيك، وكأن تنتم زى الفل يعنى، انتم زى الفل؟، فقلت له باسما: أحيانا يا سيادة الرئيس»، فابتسم بدوره وواصل القول: «إحنا بنتكلم يا جماعة إن كل مؤسسات الدولة محتاجة تناقش بمنتهى الشفافية والاطمئنان والقبول وإذا كنتم تتكلمون عن حرية حقيقية وانفتاح حقيقى، لما تيجى تهاجمنى يا أستاذ عماد، مش هزعل منك، لأنك بتقول وجهة نظرك، وأنا أدافع عن نفسى، طيب اذا لم أقنعك، هاعمل إيه؟ يا دكتور ضياء رشوان بما أنك مسئول معانا فى ده «فى إشارة إلى الحوارر الوطنى»، فإذا سمحت حط لنا كل الملفات واطرحها ونتكلم فيها، والموضوع ده ممكن يستغرق أسبوعين ثلاثة أو شهر، لا بأس. نتكلم ونسمع بعضنا البعض، ونعمل المؤتمر ده مرة سنويا، خلونا نتكلم ونتقابل وكل واحد يقول اللى عنده».
انتهى الاقتباس من كلام السيد الرئيس، ومبدئيا فأنا أتفق معه تمام الاتفاق فى ضرورة مناقشة أى شىء فى إطار رؤية عامة وسياق شامل بدلا من المناقشة المبتسرة والمشوهة.
فى قضية الإعلام المصرى وهل هو بصحة جيدة، أم يعانى بعض الأمراض، فالأمر أيضا يحتاج وضعه فى سياقه الشامل من وجهة نظرى المتواضعة.
حينما أجبت الرئيس على سؤاله بكلمة أحيانا كنت أعيها جيدا رغم أنها خرجت تلقائية.
نعم الإعلام يعانى من مشاكل كثيرة، وعدد كبير من العاملين فيه خصوصا الشباب يحتاجون تدريبا مكثفا، وأحيانا إعادة تعليم شاملة، والأهم أن يراعوا ويطبقوا القيم المهنية بصورة كاملة.
وشخصيا حينما تناولت هذا الموضوع قبل شهور منتقدا غياب المهنية لدى البعض، انفتحت علىَّ أبواب الجحيم، وتعرضت لهجوم شامل كاسح من العديد من شباب الصحفيين، لكن وحتى لا أظلم زملائى فإنه لا يمكن تحميلهم وحدهم مسئولية ما آلت إليه مهنة الإعلام والصحافة من تراجع، فهناك مسئولية تقع على المؤسسات الصحفية من غياب التدريب والتأهيل والتعليم، ومسئولية تقع على أسباب اقتصادية خارجية تتمثل فى ارتفاع مستلزمات الطباعة خصوصا الورق، ومسئولية تتعلق بغياب التنوع وهامش حرية معقول يسمح بوجود تنافس صحفى وإعلامى حقيقى فى ظل القانون والدستور.
وإذا كنت أنتقد المؤسسات الصحفية والإعلامية، فمن المهم الإشارة أيضا إلى الخطأ الأكبر المتمثل فى غياب قانون واضح لتداول المعلومات، وتمسُّك بعض المؤسسات الحكومية بالاكتفاء بالبيانات الصحفية المعلبة.
هذه الأسباب مجتمعة تقود إلى وجود إعلاميين يصعب أن يتطوروا؛ لأنهم محشورون فى «مصيدة معيشية صعبة»، ولهاث مستمر سعيا وراء لقمة العيش، خصوصا فى ظل التدنى الكبير لمرتبات ودخول غالبية شباب الصحفيين.
هذه الأوضاع لا تجعل الإعلام «زى الفل»، بل يعيش فى ظروف صعبة حقيقية تجعل القراء والمشاهدين ينصرفون عنه، وربما يذهبون إلى مصادر معادية ومتربصة، ورغم ذلك فأنا متأكد أن علاج هذه الأمراض رغم صعوبته لكنه ليس مستحيلا، وبالتالى يمكن لنقابتى الصحفيين والإعلاميين، ومعهما المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة أن يبحثوا بهدوء وعمق فى حل هذه المشكلة وتذليل العقبات التى تواجه الصحفيين والصحافة.
حديث الرئيس المتكرر عن الأداء غير المقنع أحيانا لبعض وسائل الإعلام، كلام صحيح تماما ويعكس رغبته فى وجود إعلام مصرى قوى ومؤثر وفاهم لحقيقة الأوضاع فى مصر. فى الوقت نفسه يحتاج الصحفيون لوجود مناخ شامل يجعلهم يؤدون عملهم بأفضل طريقة ممكنة. الرئيس كان محقا أيضا فى أهمية أن نسمع بعضنا بعضا، وأن تكون هناك آراء مختلفة، وللموضوعية فإن كلمات الرئيس يومى الأحد والثلاثاء الماضيين تستحق نقاشات كثيرة معمقة.. والحديث موصول.