بقلم - عماد الدين حسين
سؤال بسيط ومنطقى: لو أن الولايات المتحدة أو أوروبا قادرة على استخدام الأسلحة لإحداث الزلزال فى تركيا، ألم يكن من المنطقى أن تفعل ذلك فى دولة معادية مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية أو متناقضة معها مثل الصين، بدلا من تركيا التى تجمعها بها علاقات وثيقة وحلف أمنى اسمه شمال الأطلنطى «الناتو»؟!.
يتعجب المرء من شيوع وانتشار ثقافة الخرافات والأساطير والارتداد إلى عصور التخلف والجاهلية وتصديق أى شىء مهما كان عجيبا، فى وقت يقول كثيرون إن العالم يتقدم بفعل الثورات المتلاحقة فى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعى!
أصل الحكاية أنه بعد الزلزال المدمر الذى ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا فى ٦ فبراير الماضى وأدى إلى مقتل حوالى 45 ألف شخص حتى الآن، وأصاب مئات الآلاف وتدمير آلاف المنازل راجت قصص وشائعات كثيرة بأن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة هم الذين قاموا «بتصنيع وتخليق» الزلزال بوسائل وأسلحة متقدمة جدا.
بالأمس عرضت لأكثر القصص والأساطير شيوعا حول هذا الأمر، خصوصا برنامج «هارب» الأمريكى الذى يملك كما يقولون القدرة على التلاعب بالطقس والأمطار والعواصف والأعاصير وبالتالى إحداث الزلازل.
مرة أخرى لا أدعى علما بالزلازل، وأدرك أن العلم تقدم بصورة تجعل ما كنا نظنه مستحيلا ممكنا، لكن ورغم ذلك فلدينا عقل يجب أن نستخدمه، وبالتالى فإن الأسئلة المنطقية التى يجب أن نوجهها لأصحاب نظرية المؤامرة بسيطة وسهلة وتحتاج منهم أن يشغلوا عقولهم قليلا.
السؤال المنطقى الأول إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على «تخليق زلزال» وإثارة العواصف والأعاصير عبر برنامج «هارب» وغيره، أليس من المنطقى أن تستخدمه لمنع الأعاصير والعواصف التى تضربها فترات طويلة كل عام، وتشرّد الملايين من مواطنيها وتهدم بيوتهم وتقتلع أشجارهم وتجرف سياراتهم وتكبّد الاقتصاد الأمريكى مليارات الدولارات؟!!
قد يقول قائل إنها غير قادرة على منع الزلازل، لكنها قادرة على إحداثها، وسوف نصدق هذا الكلام الغريب لوهلة ونسأل السؤال الثانى: أليس من المنطقى أن تستخدم الولايات المتحدة هذا السلاح الخرافى الجبار ضد أعدائها المباشرين ثم غير المباشرين؟!. ألم يكن منطقيا إذا صح هذا الكلام أن تستخدم أمريكا «سلاح الزلازل» ضد روسيا عدوها المباشر الأول، ولديهم صراع ممتد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ وحتى هذه اللحظة؟
ألم يكن من المنطقى أن تبادر أمريكا إلى هذا السلاح حتى تمنع روسيا من غزو أوكرانيا، أو تستخدمه بعد الغزو حتى تدفع روسيا لسحب قواتها من هناك، وينتهى هذا الصراع بانتصار أمريكى وغربى كاسح من دون إطلاق رصاصة واحدة؟!
ألم يكن من المنطقى إذا كانت أمريكا قادرة على استخدام هذا السلاح الخارق أن تستخدمه ضد الصين، خصوصا أن الأخيرة تشكل تهديدا استراتيجيا لواشنطن التى تخشى أن تحتل بكين المرتبة الأولى فى اقتصاد العالم بعد سنوات قليلة؟!
لو أن أمريكا تملك هذا السلاح فعلا واستخدمته ضد الصين لتوقف نمو وتقدم وازدهار الاقتصاد الصينى التى ستنشغل وقتها بعملية إعادة بناء ما هدمه الزلزال بدلا من استمرار تفوقها الاقتصادى وزيادة صادراتها المستمرة بل وسيتوقف التمدد الصينى الشامل فى العديد من مناطق العالم المختلفة.
ألم يسأل أصحاب نظرية المؤامرة أنفسهم سؤالا بسيطا وهو: لماذا لم تستخدم الولايات المتحدة هذا السلاح الفتاك ضد إيران التى تتحدى المصالح الأمريكية ليل نهار، وتشكل خطرا كبيرا على مصالح حليفة واشنطن الأولى، وهى إسرائيل التى تخشى أن تكون إيران قد اقتربت من إنتاج القنبلة النووية؟!
نفس السؤال يتعلق بكوريا الشمالية التى تطلق بين الحين والآخر صواريخ تجريبية تقول إنها قادرة على حمل قنابل نووية تهدد بها الولايات المتحدة وحلفاءها خصوصا كوريا الجنوبية واليابان؟!
مرة أخرى حتى الآن يقول العلماء إنه يمكن التنبؤ بالزلازل بصورة عامة، لكن تحديد موعد الزلزال أو تخليقه أمر يقترب من الاستحالة.
كثيرون من العلماء قالوا إن الأنشطة البشرية مثل السدود والأمطار والمياه الجوفية والتغيرات المناخية يمكنها أن تؤثر على كثير من المجتمعات، لكنها يستحيل أن تؤدى إلى زلازل ضخمة مثل ذلك الذى ضرب تركيا وسوريا.
من أجل كل ذلك على أصحاب نظرية المؤامرة إما تقديم أدلة حاسمة أو التوقف عن نشر الشائعات والخرافات والأساطير أو حتى «العلم الزائف» أى نشر تفسيرات قد تبدو فى ظاهرها عقلانية، لكن أغلبها مبنى على مجرد أفكار مبتورة، تساهم فى غياب الوعى وسيادة نظريات المؤامرة.