بقلم - عماد الدين حسين
من مصلحة الكويت والعالم العربى بأكمله أن تنجح التجربة الديمقراطية فى الكويت وتترسخ، والعكس صحيح تماما.
أقول ذلك بعد متابعة للتجربة الكويتية على مدى سنوات، وبعد ثلاثة أيام قضيتها فى الكويت متابعا لانتخابات مجلس الأمة التى جرت الخميس الماضى وأعلنت نتائجها غير الرسمية صباح أمس.
الانتخابات الكويتية استثناء مختلف فى عموم الخليج، ورغم كل العراقيل والتحديات فهى انتخابات تنافسية حقيقية، تتيح صلاحيات فعلية لمجلس الأمة فى وقت تراجعت التجارب الديمقراطية التنافسية فى غالبية البلدان العربية.
فى معظم دول الخليج العربى هناك مجالس نيابية بأشكال مختلفة، سواء بالانتخاب الجزئى أو التعيين، لكن وباستثناء الكويت فلا توجد أى انتخابات تنافسية كاملة فيها. والأهم أنها تفتقر إلى الصلاحيات الأساسية التى تميز البرلمانات الطبيعية وخصوصا استجواب الحكومة ومتابعة ومراقبة أعمالها والقدرة على طرح الثقة فيها، إضافة لسن القوانين والتشريعات المختلفة.
لكن التجربة الكويتية مختلفة منذ نشأتها رغم أن طبيعة المجتمع الكويتى تتشابه تماما مع المجتمعات الخليجية الخمسة الأخرى اجتماعيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا.
بالعودة للجذور فإن تسمية الكويت جاءت نسبة إلى قلعة صغيرة كانت تسمى «الكوت» وعوائلها هاجروا من نجد خصوصا عوائل العتوب ويضمون «آل الصباح والخليفة والجلاهمة»، ثم امتزجوا مع القبائل الموجودة هناك ومنها بنى خالد، ثم نشأت الكويت عام ١٧١٦م، وفى عام ١٧٥٢ بايع سكانها صباح الجابر ليكون حاكمها الأول.
وحتى قبل مرحلة الدستور، فقد تم تأسيس أول مجلس للشورى فى عام ١٩٢١، ورغم أنه استمر شهرين فقط إلا أنه كان علامة مهمة فى طريق الديمقراطية الكويتية لاحقا، وكان يترأسه حمد الصقر ويتكون من ١٢ عضوا وتم اختيارهم بالتزكية فى عهد الشيخ أحمد الجابر.
فى عام ١٩٣١ كان هناك أول مجلس بلدى منتخب ثم مجلس المعارف عام ١٩٣٦، وفى عام ١٩٣٨ تم انتخاب مجلس الشورى الذى قام بصياغة مشروع قانون أساسى للإمارة أو دستور البلاد، وهو أول مجلس منتخب ويتكون من ١٤ عضوا برئاسة الشيخ عبدالله السالم.
العلامة الفارقة فى التحول الديمقراطى كان المجلس التأسيسى عام ١٩٦٢ وكانت مهمته وضع الدستور والقوانين الأساسية، واستمر لمدة عام برئاسة عبداللطيف محمد ثنيان الغانم فى عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح، والمادة ٦ من هذا الدستور تقول إن «نظام الحكم فى الكويت ديمقراطى والسيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا».
فى ٢٣ نوفمبر ١٩٦٣ تم إجراء أول انتخابات لمجلس الأمة وترأس المجلس عبدالعزيز حمد الصقر، ونجح هذا المجلس فى وضع اللبنات الأولى ليكون الأداة الديمقراطية التى أتاحت للجميع الفرصة للتعبير والمشاركة فى صنع القرار.
بعدها كانت هناك انتخابات لمجالس الأمة أعوام ١٩٦٧ و١٩٨١ و١٩٨٥ والأخير تم حله فى ١٩٨٦ أثناء أزمة سوق المناخ.
ومجلس ١٩٩٢ الذى جاء بعد انقطاع العمل النيابى ٦ سنوات على خلفية حرب الخليج الثانية، ثم مجلس ١٩٩٦ الذى تم حله عام ١٩٩٩، ثم مجلس ١٩٩٩ وهو الوحيد الذى أكمل فترته الدستورية أى أربع سنوات، ثم مجلس ٢٠٠٣ وشهد إعطاء المرأة حق التصويت والانتخاب وتم حله عام ٢٠٠٦، ثم مجلس ٢٠٠٦ الذى تم حله عام ٢٠٠٨، ثم مجلس ٢٠٠٩ الذى تم حله عام ٢٠١١ وشهد أول طلب استجواب لرئيس الوزراء وحادثة اقتحام المجلس. ثم مجلس ٢٠١٢ وأبطلته المحكمة الدستورية بعد عدة أشهر. ثم مجلس ٢٠١٣ وتم حله عام ٢٠١٦، ثم مجلس ٢٠١٦، وتم حله فى أغسطس الماضى.قد يقول البعض إن كلامى به العديد من المبالغات لأن معظم مجالس الأمة تم حلها بموجب الصلاحيات الدستورية لأمير البلاد. وهو قول صحيح، لكن الأصح أن دور مجلس الأمة مايزال فاعلا، ويسائل ويراقب الحكومة ويستدعى بعض الوزراء ويسائلهم حتى لو كانوا أبناء أمير البلاد.
ما أقصده هو أن يكون هناك مجلس أمة بصلاحيات محدودة أفضل مليار مرة من مجلس بلا صلاحيات، والأخير أفضل من عدم وجود مجلس من أساسه.
وأخيرا فإن نجاح التجربة الديمقراطية فى الكويت مهم جدا للخليج العربى وللعالم العربى بأكمله، بعد أن ثبت يقينا أنه من دون ديمقراطية بغض النظر عن شكلها، يستحيل حدوث تقدم أو استمراره. من المهم أن تكون هناك مساءلة ومتابعة ومراقبة وتصحيح من الشعب لحكومته. سأحاول لاحقا إن شاء الله متابعة نتائج الانتجابات ودلالاتها خصوصا أنها تعكس العديد من التحديات والأسئلة الكبرى بشأن مستقبل المشهد السياسى فى الكويت.