بقلم - عماد الدين حسين
يوم السبت الماضى، كان هناك حدثان متلازمان زمنيا وملفتان سياسيا، الأول هو زيارة وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو للقاهرة واجتماعه مع وزير الخارجية سامح شكرى، وهى أول زيارة رفيعة المستوى لمسئول تركى للقاهرة منذ ١١ عاما.
والثانية انعقاد اللجنة العسكرية المصرية القطرية المشتركة فى القاهرة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة جدا.
الحدثان ملفتان لأنهما تذكير جديد لنا جميعا بأن المصالح السياسية للدول هى التى ينبغى أن تحكم العلاقات وليس العواطف والمشاعر وما كان البعض يظنه مستحيلا فإنه يصبح ممكنا ويصيب كثيرين بالدهشة.
نعرف أن علاقات مصر بكل من تركيا وقطر قد تدهورت بشدة خصوصا بعد ثورة المصريين فى ٣٠ يونية ٢٠١٣ وتأييد الدولتين لجماعة الإخوان.
لن نستطرد فى هذا الأمر، لأنه ليس مفيدا الآن، ثم إن الدولتين قررتا العدول عن هذه السياسة ومد اليد لمصر، التى قابلتها بما تستحق.
ورأينا أمير قطر يزور مصر مرتين، فى حين زار الرئيس عبدالفتاح السيسى الدوحة وحضر الاحتفال بافتتاح مونديال كأس العالم فى ١٨ نوفمبر الماضى، وهناك التقى مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ثم قام رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى بزيارة الدوحة قبل ثلاثة أسابيع، وقبل هذا وبعده، رأينا زيارات متبادلة كثيرة بين البلدين، خصوصا على المستوى الاقتصادى.
ويوم السبت أيضا انعقد أول اجتماع للجنة العسكرية المصرية القطرية المشتركة بالقاهرة، برئاسة الفريق أسامة عسكر رئيس الأركان ونظيره القطرى الفريق ركن سالم بن حمد العقيل النابت. وأكد عسكر زيادة آفاق التعاون العسكرى وتبادل الخبرات بين الجانبين»، مشيرا إلى «توافق الرؤى حول الخطط المشتركة» بما يعود بالنفع على القوات المسلحة للبلدين الشقيقين.
وشدد النابت على أهمية زيادة التعاون فى المجالات العسكرية والتدريبية خلال المرحلة المقبلة لتحقيق مصالح القوات المسلحة. وتفقد عسكر والعقيل عددا من الوحدات والصروح الصناعية التابعة للقوات المسلحة المصرية.
أما فيما يتعلق بتركيا فهناك تحضيرات جارية على قدم وساق لاستئناف العلاقات بالكامل معها بعد زيارة جاويش أوغلو للقاهرة يوم السبت الماضى.
ما أقصده من مقال اليوم هو ألا يستغرب البعض مرة أخرى هذه العلاقات لأنها ترتبط بالمصالح وليس بالمشاعر فقط.
والنقطة الأخرى المهمة هى أنه فى العلاقات السياسية بين الأمم يندر أن تحصل دولة على كل شىء وأخرى على لا شىء، بل أن يخرج الطرفان رابحين قدر الإمكان أو لا غالب ولا مغلوب الجميع رابحون نسبيا.
لكن المشكلة تكمن أن البعض هنا وهناك يعتقد أنه ينبغى أن يحصل على كل شىء والآخر على لا شىء، وهو أمر مستحيل فى عالم السياسة.
ومن يقرأ بعناية تصريحات الوزيرين سامح شكرى وجاويش أوغلو سوف يكتشف أن عبارة «مصالح البلدين» قد تكررت أكثر من مرة فى بياناتهما وتصريحاتهما.
نعم كانت هناك عبارات دبلوماسية وإشادات والحديث عن العلاقة التاريخية، لكن فى النهاية الطرفان يبحثان من وراء هذه العلاقة الجديدة عن أفضل صيغة لتحقيق المصالح العليا كل لبلده.
الأمر نفسه فى العلاقات المصرية القطرية فطالما أن كل طرف سيتوقف عن التدخل فى شئون الطرف الآخر، ويركز على تحقيق مصالحه، فسيكون ذلك مفيدا للبلدين، وعلى سبيل المثال فإننا ومنذ استئناف العلاقات صرنا نسمع عن زيارات المسئولين ورجال الأعمال وضرورة تسهيل الإجراءات أمام المستثمرين. خلافا للفترة التى أعقبت ثورة ٣٠ يونية وكانت تدور حول دعم التطرف والإرهاب والتدخل فى شئون مصر ودعم جماعة على حساب بلد بأكمله. الآن صرنا نسمع أيضا عن لجنة عسكرية مشتركة وليس فقط مجرد علاقات سياسية واقتصادية وهو ما يعنى أن البلدين تجاوزا تقريبا، معظم أسباب مشاكل الماضى.
ظنى الشخصى أنه من المهم إيجاد بيئة لا تعيد إنتاج مشاكل الماضى وتضع الأسس الصحيحة لعلاقات ثابتة فى المستقبل. ومن المهم علينا جميعا أن ندرك أن المثالية لا مكان لها فى علاقات الدول، بل المهم أن يخرج الطرفان رابحين، وألا تكون العلاقات لحساب دولة بالمطلق على حساب أخرى.
الواقعية هى الأساس، وعلينا أن نسعى بكل الطرق لتعظيم مصالحنا الوطنية بما يعود بالنفع على بلدنا، ولا يؤثر فى نفس الوقت على سيادتنا أو كرامتنا أو قرارنا الوطنى.