بقلم - عماد الدين حسين
آخر ما كنت أتخيله خلال زيارتى للعراق الأسبوع الماضى أن أسافر إلى مدينة البصرة فى أقصى جنوب البلاد لمشاهدة مباراة ودية بين فريق الميناء العراقى والكويت الكويتى احتفالا بافتتاح استاد كروى جديد.
يوم السبت الماضى وصلنا لمطار بغداد فى الرابعة والنصف مساء، وكان مطلوبا منا أن نذهب إلى الفندق فى وسط بغداد، ونستلم غرفنا ثم نتوجه فورا نحن الوفد الصحفى المصرى لمقابلة رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى فى مكتبه بالمنطقة الخضراء.
التقينا بالرجل لساعتين وسألناه فى كل الملفات، وفى نهاية اللقاء دعانا لحضور افتتاح استاد الملعب الأوليمبى بالبصرة، والذى سيستضيف بطولة «خليجى ٢٥» التى ستنطلق الخميس المقبل.
الوفد الصحفى المصرى كان مكونا من كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام ورؤساء تحرير الأهرام والأخبار والجمهورية واليوم السابع والوطن وكايرو ٢٤، ومقدمى برامج بالقناة الأولى و«القاهرة الإخبارية».
ركبنا طائرة خاصة من مطار بغداد، وكان على متنها العديد من الوزراء وكبار المسئولين العراقيين لحضور نفس الافتتاح. المسافة من بغداد للبصرة أقل من ساعة بالطائرة. وصلنا ودخلنا الاستاد الجديد، المبنى وسط المدينة وشهدنا الافتتاح.
لكن ما الذى لفت نظرى فى هذا الحدث غير المتوقع؟!
الجمهور العراقى ملأ معظم أرجاء الملعب، وكان هناك جمهور كويتى جاء بالسيارات إلى البصرة، التى لا تبعد عن الحدود الكويتية إلا بحوالى ١٠ كيلومترات وعن مركز العبدلى بـ 54 كيلو مترا، فى حين تبعد عن مدينة شلامجة على الحدود الإيرانية ٣٠ كيلو فقط.
الحفل تم افتتاحه بآيات من القرآن الكريم وبعدها تم عزف السلام الوطنى العراقى، ودعا مذيع الحفل الداخلى الجمهور أن يقف ليقرأ الفاتحة. وبعدها ألقى وزير الشباب والرياضة العراقى أحمد المبرقع كلمة افتتاحية بعد أن تسلم مفتاح المدينة من شركة المقاولات المنفذة للإنشاء، وكان ملفتا للنظر أيضا أنه ختم كلمته بآيات من القرآن، ونفس اللغة الدينية استخدمها تقريبا كل المتحدثين ومنهم محافظ البصرة أسعد العيدانى.
كل ما سبق يعتبر من قبيل التمهيد، لكن أهم ما لفت نظرى هو إعجابى بصاحب فكرة أن يكون افتتاح هذا الملعب بين ناديين؛ الأول عراقى والثانى كويتى، وقد يسأل سائل وما هى المشكلة أو الجديد أن يلعب ناديان عراقى وكويتى مباراة ودية؟!
المتابع للعلاقات العراقية الكويتية يدرك أن هناك مشكلة كانت مكتومة تحت السطح ثم بدأت تخرج للعلن فى الأسابيع والأيام الأخيرة وتتعلق بالمنطقة المتنازع عليها بين البلدين منذ عقود، وكانت سببا فى غزو صدام حسين للكويت فى ٢ أغسطس ١٩٩٠، وهو الفخ الذى وقع فيه صدام وقاد ضمن سلسلة من التداعيات إلى حصار العراق ثم غزوه من أمريكا وبريطانيا فى مارس ٢٠٠٣.
بعد الغزو والاحتلال تحسنت العلاقات بين البلدين ودفع العراق تعويضات للكويت طبقا لما قررته الأمم المتحدة، واستقرت العلاقات وتوالت الزيارات بين كبار المسئولين فى البلدين.
لكن وفى الأيام الأخيرة عاد الخلاف القديم إلى السطح مرة أخرى.
للأمانة وخلال الحديث مع العديد من المسئولين العراقيين لمست نبرة عاقلة فى الحديث عن الكويت، بل إن رئيس مجلس النواب العراقى محمد الحبلوسى قال إنه حريص طوال الوقت هو وسائر المسئولين العراقيين على الحديث مع المسئولين الكويتيين، خصوصا أن بعض التصريحات المنفلتة غير الرسمية قد تؤدى إلى مشاكل كثيرة، كما أن الحكومات قد تختلف لكن دور البرلمانات هو أن تعبّر عن الشعوب فى السعى نحو التهدئة والمصالحة.
الحلبوسى قال إنه بعد زيارة الأمير صباح الأحمد للعراق فى ٢٠١٩ تم الاتفاق على إقامة مشروع استثمارى ضخم بين البلدين فى البصرة بتمويل كويتى، ويؤدى لتشغيل حوالى مليون عراقى وينتج سلعا عراقية لكن المشروع توقف. لكن ما لم يقله المسئولون وأحسسته من الحديث مع بعض المصادر غير الرسمية، أن دولا فى الإقليم لن تكون سعيدة إذا حدث مثل هذا المشروع التكاملى الكبير بين الكويت والعراق.
رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى قال إن اللجان الفنية بين البلدين تبحث الأمر وأن اللجنة العليا بين البلدين ستجتمع قريبا.
مرة أخرى فكرة المباراة بين فريقين كويتى وعراقى وفى ملعب بالبصرة ممتازة وتستحق تحية كل من فكّر فيها، لأنها تجعل الجماهير تجلس فى المدرجات معا، يشجعون فرقهم بروح رياضية، والأهم أن تتطور هذه الروح إلى تسوية أى خلافات أولا بأول وصولا إلى المشروعات التكاملية التى تعود بالنفع على شعبى البلدين والأمة العربية بأكملها.