بقلم - عماد الدين حسين
نجحت دبلوماسية كرة القدم أو «الساحرة المستديرة» فيما فشلت فيه كل أنواع الدبلوماسية الأخرى، وجمعت بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والتركى رجب طيب أردوغان، فى أول لقاء من نوعه بينهما.
من دقق فى الصف الأول للحضور فى ستاد «البيت» بالدوحة الذى شهد الافتتاح الرسمى لمونديال كأس العالم المقام فى قطر عصر يوم الأحد الماضى، سيكتشف أن كرة القدم جمعت زعماء، ما كان يمكن تصور لقائهم بالمرة.
فى داخل الاستاد جلس فى صف واحد كل من الرئيس عبدالفتاح السيسى والتركى رجب طيب أردوغان والأردنى الملك عبدالله الثانى وولى العهد السعودى محمد بن سلمان ونائب الرئيس الإماراتى الشيخ محمد بن راشد وبالقرب منهم الرئيس الفلسطينى محمود عباس والجيبوتى إسماعيل عمر جيلة والجزائرى عبدالمجيد تبون والسنغالى ماكى سال والرواندى بول كاجامى والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.
بعد الافتتاح الرسمى لكأس العالم بثت وسائل الإعلام صورة تجمع الرئيسين السيسى وأردوغان وكل منهما يمسك بيد الآخر وبينهما أمير قطر الشيخ تميم.
هذه الصورة هى التى احتلت صدارة الأخبار والتقارير فى مختلف وسائل الإعلام بالمنطقة العربية وفى الإقليم وفى العديد من وسائل الإعلام الدولية.
ونتذكر أن محاولات كثيرة تمت فى العامين الأخيرين لجمع الرئيسين، لكنها لم توفق، ونتذكر أن القادة الأتراك تحدثوا أكثر من مرة عن ضرورة عقد لقاءات بين مسئولى البلدين، لكن مصر قالت أكثر من مرة، إنها تريد أساسا صحيحا للعلاقة أولا.
أن يزور السيسى وبن سلمان وبن راشد الدوحة لم يعد حدثا كبيرا، لأن الزعماء الثلاثة التقوا بالفعل فى أكثر من مناسبة سابقة خصوصا بعد قمة العلا فى المملكة العربية السعودية فى يناير قبل الماضى، وهى القمة التى أعادت العلاقات بين قطر والرباعى العربى مصر والسعودية والإمارات والبحرين بعد أن انقطعت تماما فى ٥ يونيو ٢٠١٧. أمير قطر زار القاهرة فى يونيو الماضى، كما زار السيسى الدوحة فى سبتمبر الماضى، والتعاون بين البلدين صار واضحا فى العديد من المجالات خصوصا الاقتصاد، كما تبادل أمير قطر الزيارات مع السعودية.
وبالتالى فإن اللقاء الذى خطف أنظار جميع المراقبين فى المنطقة يوم الأحد هو الذى جمع السيسى وأردوغان.
ونعلم جميعا شكل وطبيعة العلاقات بين البلدين بعد ثورة المصريين فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ على جماعة الإخوان وإخراجهم من الحكم، وبعدها انحاز أردوغان إلى جانب الجماعة وقدم لهم مختلف أنواع الدعم، وبالتالى تجمدت العلاقات، إلى أن أدركت تركيا خطأ معظم حساباتها وبدأت فى إعادة النظر فى سياساتها مع مصر وغالبية دول الخليج ورأينا أردوغان يزور السعودية والإمارات.
ورأينا أيضا بدء الاتصالات التركية المصرية وتصريحات تركية متتالية تبدى رغبتها فى عودة العلاقات مع مصر التى وضعت شروطا موضوعية كمدخل أساسى لاستئناف العلاقات على أساس صحيح.
لا أكتب اليوم عن الجانب الموضوعى للعلاقات المصرية التركية، ولكن أشير فقط إلى دبلوماسية كرة القدم التى جمعت السيسى وأردوغان.
وهذا النوع من الدبلوماسية ليس جديدا وأشهر تجلياته دبلوماسية البنج بونج أو تنس الطاولة بين الصين والولايات المتحدة فى أوائل السبعينيات حينما كانت العلاقات بينهما مقطوعة. ثم بدأ تبادل المباريات بين البلدين، خصوصا خلال بطولة العالم لكرة الطاولة عام ١٩٧١ فى ناجويا باليابان. وتم اعتبار المباراة بين الأمريكى جلين كوان والصينى زوهانج ريدونج حجر الأساس فى عودة العلاقات بين البلدين برعاية من وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر، وهو ما مهد لزيارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون للصين عام ١٩٧٢.
كرة القدم صارت اللعبة الشعبية الأولى فى مختلف بلدان العالم، وفى السنوات الأخيرة صارت صناعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ووصلت أسعار اللاعبين إلى أرقام فلكية لم يكن أحد يتصورها. وهذه اللعبة تحظى بمتابعة مليارات البشر للدرجة التى يقول البعض أنها صارت أحيانا مرادفا وبديلا للحروب العسكرية والصراعات السياسية وأحد أهم عوامل رفع الروح المعنوية للشعوب والأمم.
ورأينا أيضا كيف أن لاعبا واحدا فقط اسمه محمد صلاح قدم لمصر والعرب قوة ناعمة لم تستطع بعض الحكومات فى المنطقة أن تفعلها.
واخيرا نجحت دبلوماسية كرة القدم فى الجمع بين الرئيسين. وأظن أن هذا اللقاء سيدخل التاريخ السياسى للمنطقة إذا شهدت العلاقات بين القاهرة وأنقرة اختراقا حقيقيا، واستجابت تركيا للمطالب المصرية العادلة خصوصا وقف دعم الميليشيات المسلحة فى ليبيا، وإنهاء الدعم المقدم للجماعات الإرهابية والمتطرفة.