بقلم - عماد الدين حسين
ما حدث فى الأردن قبل أسبوعين من مظاهرات واحتجاجات ضد غلاء المعيشة، ومصرع نائب مدير شرطة محافظة معان، ينبغى أن يلفت نظر كثيرين إلى خطورة الفترة المقبلة فى العديد من بلدان العالم.
كل شخص يعتقد أن المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية هى قاصرة فقط على بلده، فى حين أن الأزمة أعمق من ذلك كثيرا.
طبقا لمشروع بيانات الأحداث ومواقع النزاع المسلح «ACIED» والذى رصدته شبكة الـ«بى بى سى» خلال الفترة من أول يناير حتى نهاية سبتمبر الماضى، والذى يرصد ويحلل البيانات المتعلقة بالاحتجاجات فى جميع أنحاء العالم، فقد تظاهر مواطنون فى ٩٠ دولة ونزلوا إلى الشوارع احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود، التى تقود إلى رفع أسعار غالبية السلع والخدمات.
هذا الرصد مهم لأنه يقدم لنا صورة واضحة لا لبس فيها لخطورة الأوضاع الاقتصادية فى العديد من بلدان العالم، والملفت فى هذه الخريطة التى رسمتها شبكة الـ«بى بى سى» ووضعتها على موقعها فى ١٩ أكتوبر الماضى أنها تشمل العديد من البلدان الأوروبية التى لم تكن تعرف مظاهرات الخبز وارتفاع أسعار غالبية السلع.
فى هذه الخريطة نرصد مثلا مقتل ٢٥ شخصا بينهم ٥ من ضباط الشرطة خلال الاشتباكات العنيفة التى اندلعت بسبب ارتفاع أسعار الوقود بصورة قياسية شرق فريتاون عاصمة سيراليون، حيث تضاعفت أسعار الوقود من أقل من دولار للتر إلى ١٫٦ دولار فى يوليو الماضى، واضطرت الحكومة لشطب ثلاثة أصفار من عملة البلاد وتدعى «الليون» لمقاومة التضخم، ولم تجد الحكومة بدا من حظر التجول واتهم رئيسها المعارضين بمحاولة الانقلاب على حكمه!!
ومن سيراليون إلى إسبانيا التى لم تشهد أى احتجاجات عام ٢٠٢١، فقد شهدت ٣٣٥ مظاهرة خلال شهر مارس الماضى فقط.
فى حين شهدت إندونيسيا أكثر من ٦٠٠ مظاهرة احتجاجا على رفع أسعار الوقود، مقارنة بـ ١٩ مظاهرة فى عام ٢٠٢١.
إيطاليا وهى عضو فى مجموعة السبعة الأكثر غنى عالميا، شهدت ٢٠٠ مظاهرة فى الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، مقارنة بمظاهرتين فقط فى ٢٠٢١. أما الأكوادور فقد شهدت ألف مظاهرة احتجاجية فى شهر يونية الماضى فقط.
بالطبع فإن لبنان وإيران وسوريا والعراق شهدت أيضا العديد من الاحتجاجات الشعبية طوال هذا العام، وأظن أن الاحتجاجات ما تزال مستمرة فى إيران حتى الآن، ورغم أنها بدأت حقوقية احتجاجا على مقتل الناشطة الكردية مهسا أمينى على يد «شرطة الأخلاق» داخل أحد السجون الإيرانية فقد تضمنت شعارات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
فى تقدير مسئولى الأمن بشركة دراجون فلاى المتخصصة فى متابعة الاحتجاجات السياسية والاجتماعية، فإن الملف للنظر أن الاحتجاجات الاجتماعية لم تسلم منها قارة باستثناء القارة القطبية الجنوبية!
والتفسير لهذا الانتشار الواسع للاحتجاجات هو العديد من العوامل أحدها الحرب فى أوكرانيا، فأسعار الوقود كانت رخيصة جدا فى أثناء وباء كورونا بسبب تراجع الطلب على الطاقة وإغلاق الانشطة الاقتصادية أو تقييدها، لكن ومع عودة النشاط ثم مع نشوب الحرب فى أوكرانيا، وصلت أسعار الوقود لمستويات قياسية وتعطلت سلاسل الإمدادات والأخطر أن الدولار الأمريكى سجل أعلى مستوياته مقابل العملات الكبرى، فى حين تعرضت العديد من العملات المحلية لانهيارات متتالية بعد أن بدأت أمريكا فى رفع أسعار الفائدة، وارتفعت معدلات التضخم والديون، وهكذا فإن أسعار الوقود والعديد من أسعار السلع الأساسية الأخرى المستوردة ارتفعت لمستويات غير مسبوقة، وبالتالى ارتفعت أسعار السلع المختلفة، وكأن النموذج الأبرز فى هذا الأمر ما شهدته سريلانكا فى العام الماضى حينما ثار الناس على الحكومة وأجبروا رئيسها على التنحى. ورأينا قبل أيام المظاهرات والإضرابات فى بريطانيا وفرنسا.
فى المظاهرات التى وقعت خلال الشهور التسعة الأخيرة سقط ٨٠ شخصا قتيلا فى الأرجنتين والأكوادور وغينيا وهاييتى وكازاخستان وبنما وبيرو وجنوب أفريقيا وسيراليون، وهذه الأرقام لا تشمل بالطبع ضحايا الاحتجاجات الحديثة فى الأردن أو إيران على سبيل المثال.
من سوء الحظ أن الأزمة الاقتصادية مرشحة للتفاقم فى العديد من بلدان العالم.
وظنى أن أسباب هذه الأزمة لم تكن فقط بسبب عوامل خارجية مثل تداعيات كورونا أو أوكرانيا والتضخم والركود، ولكن كانت هناك أسباب داخلية تختلف من دولة لأخرى.
والمطلوب أن تسعى كل حكومة لشرح حقيقة الأزمة لشعوبها بأمانة، وأن تضع السياسات الملائمة للتعامل معها، وأن تتجنب كل السياسات والثغرات والقوانين والإجراءات التى تؤدى إلى استمرار الأزمة وتفاقمها.