بقلم - عماد الدين حسين
أغلب الظن أن الرهان على الاستثمارات الخليجية للعمل فى الصناعة المصرية لن يؤتى ثماره، والسبب أن معظم الاستثمارات يركز على الأنشطة التى تدر عائدا سريعا قدر الإمكان ويسهّل بيعها والتخارج منها فى وقت قصير.
هذه الفكرة ليست من بنات أفكارى لكن سمعتها أخيرا من أحد المستثمرين المصريين خلال مشاركتى فى حلقة نقاشية ببرنامج «حديث القاهرة» مع الصديق خيرى رمضان على قناة «القاهرة والناس».
غالبية الاستثمارات الخليجية تفضل العقارات سواء كانت فنادق أو قرى سياحية أو مدنا وفيلات سكنية فاخرة أو سياحة اليخوت أو الاستثمار فى البورصة أو شراء أصول جاهزة تكون رابحة أو فى طريقها إلى الربح.
بالطبع هناك استثمارات خليجية قديمة فى قطاعات صناعية، لكن نحن نتحدث هنا عن نوعية الاستثمارات الأخيرة المتجهة بالأساس إلى العقارات.
المستثمرون الخليجيون سواء كانوا أفرادا أو شركات أو صناديق استثمار أو أجهزة حكومية، اشتروا بالفعل فى الفترة الأخيرة حصصا فى مصانع منتجة قائمة، ومصر وافقت على ذلك لأنها فى حاجة ماسة إلى عملات صعبة تساعدها على سداد أقساط وفوائد الديون وكذلك لتأمين الحصول على القرض الجديد من صندوق النقد الدولى الذى حصلنا عليه بالفعل.
لا أقصد من قريب أو بعيد التقليل من أهمية الاستثمارات الخليجية، فهى مرحب بها فى أى مجال، وأتمنى أن تنجح حكومتنا وقطاعنا الخاص فى إقناع المستثمرين الخليجيين بالاستثمارات التى نحتاجها بشدة، والتى تعود بالنفع الكبير على بلدنا بصفة دائمة وعليهم أيضا.
إقامة مصنع ينتج سلعا وخامات ومكونات ومستلزمات إنتاج أساسية هدف قومى ينبغى أن نتجند جميعا لتحقيقه. وإذا استطعنا إقناع المستثمرين الخليجيين بالاستثمار فى هذه القطاعات الاستراتيجية خير وبركة، وإذا لم نستطع، فمرحبا بهم فى المجالات التى يفضلونها، فهى مفيدة لنا أيضا، لكن فى هذه الحالة علينا البحث بكل الطرق الممكنة عن استثمارات أجنبية للعمل فى المجالات التى نحتاجها، خصوصا لتحقيق فكرة توطين التكنولوجيا والصناعات الأساسية.
هذه الفكرة تحتاج لاستثمارات ضخمة، لكن قبل ذلك نحتاج خبرات فنية وكفاءات وتراكما صناعيا قد لا يكون متوافرا عندنا بصورة كاملة.
وأحد الاقتراحات التى سمعتها أن تتوجه وفود مصرية حكومية وخاصة إلى بلدان مثل الصين وجنوب شرق آسيا وجنوب إفريقيا وأى مكان فى الكون يمكنه أن يساعدنا فى هذا المجال. حينما نذهب إلى هذه البلدان كما يقول المهندس شريف الصياد رئيس المجلس التصديرى للصناعات الهندسية، فهى لن تأتى بسهولة، بل نحتاج إلى إغراءات وحوافز وتسهيلات، والمطلوب أن نقدمها لهم، لأننا نحتاج أن يوطنوا هذه الصناعات المهمة عندنا، خصوصا الصناعات التى تنتج الخامات ومستلزمات الإنتاج التى تكلفنا الكثير فى فاتورة الاستيراد، وأظن أن مبادرة «ابدأ» تلعب دورا مهما فى هذا المجال، وسأعود إلى هذا الموضوع لاحقا بالتفصيل.
بالطبع فإن مجىء المستثمرين يحتاج إلى مناخ مختلف وجاذب للاستثمار ولا ينفع معه «شغل بعض الموظفين» الذين لا هم لهم إلا تطفيش المستثمرين بحجج غريبة أو لأن عقولهم لا تتناسب مطلقا مع أى أفكار جديدة ومبدعة.
غالبية البلدان التى حققت قفزات صناعية مهمة خصوصا الصناعات بغرض التصدير، حفزت المستثمرين لكن فى إطار خطة واضحة طويلة الأمد.
نردد كثيرا أهمية وجود بيئة تشريعية محفزة ومسهلة، وهو أمر مهم للغاية، لكن المشكلة ليست فقط فى القوانين والتشريعات، لكن المناخ والبيئة التى تجعل المستثمر المحلى والأجنبى يشعر بالأمان والوضوح وعدم المفاجآت والتغيرات خصوصا فيما يتعلق بسعر الصرف.
مصر أنجزت ونفذت شروطا جوهرية من أجل الشروع فى التصنيع وأهمها البنية التحتية من طرق وجسور وكبارى وموانئ وكهرباء وغاز وإنشاء المجمعات الصناعية، إضافة إلى الشروع فى عملية تأهيل آلاف الشباب.
الرئيس السيسى وخلال تعقيبه على كلمات رئيس اتحاد الصناعات محمد السويدى، وبعض كبار المستثمرين خلال الملتقى والمعرض الصناعى قبل أسابيع، قال إن أزمة الدولار كانت كاشفة، ولابد من مسابقة الوقت فى قضية إنتاج مكونات ومستلزمات الانتاج وخاماته حتى يمكن تغطية الطلب المحلى أولا وبعدها التصدير. وقال نصا: «هذا أمر ضرورى لكل من يهمه أن تستقر مصر، ولابد من إجراءات غير تقليدية فيما يتعلق بالتراخيص». وفى نفس اللقاء أصدر قراره بالرخصة الذهبية لمدة ٣ شهور لكل من تقدم بطلبات لإنشاء المصانع وبعد نهاية الفترة سيتم تقييم التجربة.
الرئيس يومها قال أيضا: «إن التحدى يولد الفرص»، والسؤال: هل نستطيع فعلا أن نولد فرص منذ هذه الأزمة، وما هى الشروط والمؤهلات والموارد اللازمة لكى تتحول هذه الأزمة إلى فرصة؟