بقلم - عماد الدين حسين
هل المساعدات الإنسانية فى الكوارث الطبيعية تخضع للعلاقات والمواقف والانحيازات السياسية، أم ينبغى أن تترفع عن كل ذلك، ويكون معيارها الأساسى هو الإنسان أولا وأخيرا، بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه ومذهبه وفكره؟
هذا سؤال يكرره كثيرون فى المنطقة العربية والعديد من وسائل الإعلام العالمية، عقب الزلزال المدمر الذى ضرب كلا من تركيا وسوريا، وأوقع حتى الآن حوالى 26 ألف قتيل وآلاف المصابين وهدم آلاف المنازل وشرد مئات الآلاف فى البلدين.
بطبيعة الحال فإن البلدين تركيا وسوريا يستحقان كل آيات الدعم والتضامن والمساعدات فى هذه الظروف المأساوية الصعبة، لكن الذى حدث أن بعض الدول ومنها من يكرر ليل نهار أسطوانة حقوق الإنسان قام بتسييس المساعدات وفرض شروط غريبة قبل أن يقدمها لسوريا.
كثيرون يتبرعون لتركيا وقدموا لها المساعدات وهو أمر طيب ومحمود، فهى تحتاج لذلك فى هذه الظروف الصعبة.
لكن سوريا ظروفها أكثر صعوبة لأسباب متعددة منها آثار الصراع المسلح الذى اندلع فى مارس ٢٠١١، وأدى إلى نتائج كارثية لهذا الشعب العربى الشقيق، كما أن الزلزال الذى ضرب سوريا كان مركزه الأساسى شمال غرب البلاد وهى منطقة خارج سيطرة الحكومة السورية، بل خاضعة لجماعات مسلحة وإرهابية ومتطرفة.
الذى حدث أن هناك دولا مثل مصر وبلدان الخليج وغالبية الدول العربية سارعت للوقوف بجوار الشعبين السورى والتركى منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال، ولم تلتفت مطلقا إلى أى خلافات سياسية سابقة أو حالية، وأعلنت دعمها الكامل للبلدين وبادرت بإرسال المساعدات الإنسانية والطبية إليهما.
والمعروف أن الرئيس عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية سامح شكرى سارعا بالاتصال بكل من الرئيس السورى بشار الأسد والتركى رجب طيب أردوغان لتقديم واجب العزاء فى الضحايا والاستعداد لإرسال كل ما يمكن من دعم، وبالفعل توجهت ٥ طائرات محملة بالمساعدات الإنسانية والطبية إلى البلدين. والأمر نفسه من دول الخليج التى قدمت مساعدات مالية كبيرة إضافة لتبرعات من مواطنين ومساعدات إنسانية للبلدين.
قبل الزلزال فإن المساعدات الغربية والأممية كانت تصل إلى شمال سوريا عبر منفذ باب الهوى على الحدود التركية، لكنه صار معطلا وخارج الخدمة عقب الزلزال بسبب الدمار الكبير الذى حل بطرق وجسور مدينة أنطاكية التركية التى لابد من المرور عبرها للوصول للمنفذ.
الدول الغربية التى تتحدث طوال الوقت عن حقوق الإنسان فشلت فشلا ذريعا حينما حاولت فى بداية الزلزال تسييس المساعدات لسوريا وإخضاعها لحسابات سياسية مختلفة، ومنها مثلا ضرورة دخول المساعدات عبر منفذ باب الهوى وهى تعلم أن هذا المنفذ خرج من الخدمة فعليا.
فى حين كان يمكن إرسال المساعدات بصفة استثنائية عبر مطار دمشق أو مطار حلب أو عبر المناطق الخاضعة للأكراد شرقا، أو عبر أى طريق يصل إلى المنكوبين.
ثم إن الحرب الأهلية والإرهاب أصاب العديد من البنية التحتية السورية بالدمار، وطبقا لتصريحات وزير النقل السورى فإن المجرمين والإرهابيين سرقوا ٥٠ ألف سيارة حكومية، وبسبب الحصار أيضا فإن الحكومة لم تعد تملك آليات ومعدات حديثة تمكنها من سرعة إنقاذ العالقين تحت الأنقاض.
لكن الأخطر على الإطلاق هو قانون «قيصر» الأمريكى الذى يحظر التعاون الاقتصادى والتجارى مع الحكومة السورية، وبالتالى أحجمت دول كثيرة عن تقديم المساعدات للشعب السورى، لكن يحسب لغالبية الدول العربية أنها تحدِّث هذا القانون وسارعت بإرسال المساعدات الإنسانية والطبية وطواقم الإنقاذ. ونتيجة للانتقادات الدولية اضطرت الولايات المتحدق لاستثناء المساعدات الإنسانية من قانون قيصر، ولو فعلت ذلك بمجرد وقوع الزلزال لربما كان يمكن إنقاذ بعض العالقين تحت الأنقاض.
واستمعت قبل أيام لأحد الباحثين السوريين يتحدث لقناة «القاهرة الإخبارية» متسائلا: كيف تقوم دول أوروبية بدعم الجماعات المسلحة والمتطرفة والإرهابية فى شمال غرب سوريا فى حين تعجز عن دعم الذين تشردوا بفعل الزلزال؟!. يقول هذا الخبير إن الغرب صاحب العلاقات الطيبة مع الأكراد السوريين شرقا والمنظمات والجماعات المسيطرة غربا كان يمكنه أن يسارع بتقديم المساعدات بالفعل بدلا من التحجج بحجج مختلفة.
أتمنى أن يتدارك الجميع ما حدث ويسارع لتقديم المساعدات للدولة السورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.