بقلم - عماد الدين حسين
مهنة الصحافة والإعلام ستظل بخير ولن تندثر كما يتخيل البعض، طالما أن هناك التزاما كاملا بقواعدها المعروفة.
تأكد لى هذا المعنى وأنا أتابع بتمعن وتأمل قاعة المركز الصحفى فى مقر قمة حلف شمال الأطلنطى «الناتو» التى عقدت يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين فى فيلينوس عاصمة ليتوانيا للمرة الأولى فى تاريخ هذه الدولة.
والملفت للنظر أن ليتوانيا تمكنت من تنظيم القمة من دون أى مشاكل، رغم وجود قادة دول وحكومات ٣١ دولة هم أعضاء الناتو وآلاف المشاركين والإعلاميين والضيوف.
بمجرد الهبوط فى مطار فيلينوس قادما من القاهرة عبر مطار فيينا، ذهبت لمقر مركز الاعتماد للحصول على «البادج» الذى بدونه لا يمكن دخول مقر اجتماعات قمة الناتو، وهو الأمر الذى استغرق 15 دقيقة فقط. وهذا التصريح أتاح لى مثلا الدخول بكل بساطة إلى القاعة التى جمعت قادة الدول الصناعية السبع الكبرى ومعهم الرئيس الاوكرانى زيلينسكى وأمين عام حلف الناتو ينس ستولنبيرج فى اليوم الأخير للقمة.
فى المركز الصحفى للقمة يمكنك أن ترى صحفيين ومراسلين من كل بقاع الأرض، الآسيوى والأوروبى والأفريقى والأمريكى واللاتينى.
ظنى أن كل من يكون قادرا على جلب الأخبار خصوصا المراسلين هم الأساس الذى تقوم عليه أسس وقواعد مهنة الصحافة والإعلام. هم عمود الخيمة فى هذه المهنة، ومن دونهم لا توجد صحافة حقيقية.
فى قمة الناتو مثلا، وفى الأحداث المشابهة الكثيرة يستيقظ المراسل ومعه طاقم العمل وأهمهم على الإطلاق بعد المراسل «رجل الكاميرا» فجرا من أجل حجز موطئ قدم فى المكان الذى سيمر منه قادة الحلف، من أجل لقطة أو الحصول على تصريح سريع. هو قد يسافر آلاف الأميال لأيام كثيرة حاملا معداته وأجهزته من أجل لقطة أو تصريح، قد لا يستغرق بثه على الشاشات إلا دقيقة. وحينما يجلس المشاهد أمام التلفاز ليلا ويرى هذه اللقطة أو التصريح، فهو لا يدرك أن الصحفى قد ظل واقفا على قدميه لساعات طويلة من أجل هذا المشهد القصير.
فى المركز الصحفى غالبية الصحفيين مهمومون بالبحث عن مصدر يمدهم بمعلومة صحيحة خاصة، أو متابعة مؤتمر صحفى أو «إيجاز سريع» حتى يرسلوا المادة لصحفهم أو مواقعهم أو فضائياتهم.
هؤلاء المراسلون ليسوا رجالا فقط، بل بينهم العديد من المراسلات البطلات اللاتى يتحملن الكثير أيضا من أجل إتمام عملهم على أكمل وجه.
باختصار شديد فإنه من دون هؤلاء المراسلين لا توجد مهنة صحافة وإعلام فعلية. هم الذين يجلبون الأخبار من المصادر، وهى الأخبار التى بدونها لن تجد وسائل الإعلام ما تقدمه م لقرائها أو مشاهديها.
صحيح أن هناك خبراء ومعلقين ومحللين، لكن كل هؤلاء مع خالص التقدير لهم، لا يمكن أن يمارسوا عملهم من دون وجود المادة الخام وهى الأخبار والمعلومات والبيانات التى يقدمها هؤلاء المراسلون والمحررون والمندوبون، المنتشرون فى أماكن متعددة من العالم.
وللموضوعية فإن المراسلين لا يمكن أن يمارسوا عملهم من دون وجود مناخ عام يسمح لهم بذلك، خصوصا تعاون «المصادر».
المصدر هو الشخص المسئول أو المخول بالكلام ولديه المعلومات، قد يكون مسئولا، وقد يكون قريبا من المسئول أو مخولا له بالاطلاع على المعلومات ومن دون إيمان هذا المصدر بأهمية الصحافة والإعلام فلن تتمكن الصحافة من ممارسة دورها الكامل. وقد شهدت خلال هذه القمة الأخيرة، وقبلها قمة مدريد فى الصيف الماضى، كيف أن غالبية المسئولين الأوروبيين والأمريكيين، متعاونون إلى حد كبير مع الصحفيين. هم يدركون دورهم جيدا ويعرفون أن صوتهم ورأيهم لن يصل إلى الناس إلا من خلال إعلام قوى ومهنى ومؤثر.
بالطبع تظل هناك لعبة القط والفأر بين الصحفى والمصدر، ولكن فى النهاية فإن القارئ أو المشاهد هو المستفيد، طالما أنه سيجد المعلومات التى يبحث عنها متاحة.
قبل بداية المؤتمر كان الصحفيون يعرفون جدول جلسات ولقاءات ومؤتمرات القمة بالتفصيل. بالطبع فى إطار القواعد المنظمة، يدخل الصحفى القاعة ويجلس بهدوء ويناقش المصدر أو المتحدث ويطرح عليه كل الأسئلة بحرية كاملة وفى إطار من الاحترام. المسئول ينصرف والمحرر يكتب خبره أو قصته ويرسلها لوسيلة إعلامه وكل يؤدى دوره فى إطار القانون والمستفيد هو المواطن وكل المجتمع.
ليتوانيا لم تكمل ٣٣ عاما من الاستقلال ومساحتها 65 ألف كيلو متر وسكانها أقل من 3 ملايين نسمة، لكنها تمكنت من تحقيق قفزات كثيرة فى العديد من المجالات بفضل أشياء كثيرة أهمها الصحافة الحرة وحرية التعبير والمسئولية المجتمعية، وبالتالى فقد نجحت فى تنظيم هذه القمة بصورة لافتة للجميع.