بقلم - عماد الدين حسين
على هاتفى أحتفظ برابط لأحد المواقع الرياضية التى أتابع من خلالها مواعيد مباريات الكرة الدولية والمحلية والقنوات الناقلة لها.
وحينما تصفحته قبل نهائى كأس العالم ليلة الأحد الماضى بين الأرجنتين وفرنسا، وجدته يكتب أن مباراة الدورى التالية ستكون بين فريقى المحلة وفيوتشر وفى اليوم التالى سيلعب إنبى والإسماعيلى.
تساءلت بينى وبين نفسى كيف يمكن أن نضع فى صفحة واحدة أو جدول واحد مباراة فرنسا والأرجنتين، مع مباراة المحلة وفيوتشر، أو أى مباراة محلية فى الدورى السودانى أو الموريتانى أو الأردنى أو البحرينى أو العمانى أو السورى، مع كل التقدير والاحترام لهذه الأندية العربية؟!!.
أظن أن أى متابع لكرة القدم سيمر فى الأيام المقبلة ــ ولوقت لا يعلمه إلا الله وخبراء الكرة النفسيون ــ بفترة صعبة من عدم التكيف الناتجة عن متابعة نوع معين من كرة القدم الحقيقية والفعلية والممتعة، إلى نوع آخر يشكك البعض أنه ينتمى إلى كرة القدم!!.
معظم من أعرفهم من زملائى وأصدقائى المتابعين لكرة القدم، لديهم مشكلة عميقة فى هذا الموضوع، فالانتقال الفجائى من مشاهدة مباراة فرنسا والأرجنتين، وبقية المباريات المثيرة فى المونديال، إلى مشاهدة المحلة وفيوتشر أو إنبى والإسماعيلى أو أى مباريات مشابهة فى الدوريات العربية قد يصيب المتابع بصدمة نفسية حضارية ــ بصرية مفاجئة قد تنقلب إلى ما لا يحمد عقباه.
أعذر الكثير من المتابعين الذين يقولون إن ما نشاهده فى معظم مبارياتنا المحلية لا ينتمى للكرة التى نشاهدها فى كأس العالم أو الدوريات الكبرى مثل الإنجليزى والإسبانى والإيطالى والفرنسى والألمانى، وأن المسافة شاسعة بين هذين النوعين من الكرة.
ما شاهدناه فى معظم مباريات مونديال قطر شىء مختلف. احتراف على أصوله. ومنظومات كروية صحيحة. بالطبع لا يوجد شىء مثالى، لكن نحن نتحدث عن فرجة مختلفة جعلت الناس يتسمرون أمام شاشات التليفزيون يوم الأحد الماضى لأكثر من ثلاث ساعات، وهم يشاهدون النهائى الممتع والمجنون بين فرنسا والأرجنتين ومشاهد تسلم كأس العالم لميسى ورفاقه فى منتخب الأرجنتين.
فى المونديال الأخير كانت هناك أخطاء تحكيمية، لكنها لم تصل إلى المستوى الفج الذى نشاهده فى بعض الدوريات العربية ويصل إلى حد تمديد بعض المباريات حتى يفوز فريق بعينه، أو إعطاءه ضربات جزاء «عمال على بطال» أو «تكتيف المباريات»، حتى يفوز فريق دون غيره.
فى مونديال كأس العالم كانت هناك صراعات ومحاولات لتصدير مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، لكن الاتحاد الدولى كان حاسما فى قراراته وتوجهاته حتى لو كان ذلك ضد رغبات بعض المنتخبات الكبرى كرويا مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا.
فى مونديال كأس العالم لم يجرؤ أى رئيس اتحاد كروى على الطعن فى المنظومة العالمية بصورة فجة، رغم اعتراضهم على بعض قراراتها، ولم نجد أحدا من هؤلاء يخرج ليسب الجميع ويشتمهم أو يشكك فى القرارات ويتحداها، كما يحدث فى العديد من بلدان العالم الثالث، بحيث يصل الأمر إلى اشتباكات بين جماهير بعض الفرق تؤدى لسقوط قتلى ومصابين كما شاهدنا فى العديد من الحوادث ببعض الدول الأفريقية.
فى المونديال الأخير تأكدنا من أهمية الاحتراف الحقيقى الذى يجعل دولا نامية مثل المغرب أو السنغال تستطيع تكوين فرق وطنية على أعلى مستوى نتيجة السياسات الصحيحة كرويا، وتشجيع الاحتراف من سن عشر سنوات. وثبت يقينا أن الفهلوة والهمبكة والمجاملات لن تقود إلا إلى الغياب عن مثل هذه المناسبات الكروية الكبرى، وحتى إذا تأهل أحد هذه الفرق يكون أداؤه كارثيا على كل الأصعدة.
لا يعرف الشىء إلا بنقيضه، أو كما يقولون «بالأضداد تعرف الأشياء»، وهكذا أدرك الكثير من المتابعين العرب أن ما يشاهدونه من مباريات فى الدوريات المحلية، ليس من الكرة فى شىء إلا وجود نجيل أخضر، وحتى النجيل ثبت أنه مختلف، والجماهير مختلفة، ولا يمكن تخيل كرة جميلة وممتعة ومثيرة من دون جماهير تلتزم التشجيع بالروح الرياضية، ولا تخلط التشجيع بأى شىء آخر.
أقول كل ما سبق وأنا أدرك أن معظمنا سينسى خلال أيام أو أسابيع ما شاهده من متعة فى كأس العالم، ويعود إلى تشجيع فريقه المحلى، وقد يتعصب ناسيا سوء المستوى العام.
وأنا شخصيا ضبطت نفسى أفعل ذلك حينما فرحت قبل أيام بفوز الزمالك على البنك الأهلى فى الدقيقة الأخيرة من الوقت الضائع مثل فرحتى بتعادل الأهلى وفيوتشر فى اليوم نفسه.