بقلم - عماد الدين حسين
علاقات العرب مع القوى الدولية الكبرى تشهد تغييرات دراماتيكية كبرى فى الشهور الأخيرة.
ما يحدث أقرب إلى التغيير الثورى الذى فاجأ خبراء ومتابعين دوليين كثيرين.
أفضل مثال على ذلك هو القمة العربية الصينية التى انعقدت فى العاصمة السعودية الرياض يوم الجمعة قبل الماضى، والسبب أنها تأتى فى ظل زيادة حدة التنافس فى العديد من المجالات خصوصا الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
العرب خصوصا فى منطقة الخليج ظلوا لعقود كثيرة متمسكين بحليف واحد هو بريطانيا أو الولايات المتحدة أو كليهما، وجهتهم كانت الغرب عموما.
حينما كان يصافح مسئول خليجى خصوصا من السعودية مسئولا روسيا فى زمن الاتحاد السوفييتى المنهار «١٩١٧ ــ ١٩٩١» كان ذلك يعتبر حدثا غريبا.
ومن هذا المنطلق كانت منطقة الخليج العربى جزءا ثابتا فى المنظومة الغربية فى مناهضة الكتلة الشيوعية أو حلف وارسو خصوصا أثناء احتلال موسكو لأفغانستان من ١٩٧٩ ــ ١٩٩٠.
بعد الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ ــ ١٩٤٥ انقسم العالم إلى معسكرين بارزين الأول غربى رأسمالى فى حلف الأطلنطى «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة، وحلف شرقى اشتراكى «وارسو» بقيادة الاتحاد السوفييتى.
الخليج العربى اختار التحالف مع الولايات المتحدة، ومصر حاولت أن تنأى بنفسها وسعت لتأسيس حركة عدم الانحياز مع الهند ويوغسلافيا وإندونيسيا، لكن عوامل كثيرة أهمها دعم الولايات المتحدة والغرب لإسرائيل، دفعتها للاقتراب أكثر من الاتحاد السوفييتى فى عهد جمال عبدالناصر، ثم جاء أنور السادات ليطرد الخبراء السوفييت عالم ١٩٧٢، ويقول إن ٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد واشنطن، ويزور إسرائيل عام ١٩٧٧، ويوقع معها معاهدة سلام فى ١٩٧٩، واستمرت العلاقات قوية مع واشنطن إلى حد كبير طوال عهد حسنى مبارك من ١٩٨١ إلى ٢٠١١. مع استثناءات قليلة متوترة، لكن الأخير بدأ ينفتح نسبيا على القوى الدولية الأخرى.
الخليج ظل على علاقته الطيبة جدا والأقرب إلى التحالف مع الولايات المتحدة، التى صار لديها يقين ثابت لا يتزعزع بأن ولاء دول الخليج لها مضمون دائما وأبدا، وأنها طالما توفر لهم الأمن والحماية من أى تهديدات خارجية خصوصا إيران فإنهم لا يحق لهم الاقتراب من أى قوة أخرى. وظلت هذه الصيغة فاعلة أى الحماية مقابل استقرار أسواق وأسعار النفط والطاقة، إلى أن حدث متغيران أساسيان، وهما رحيل معظم القادة الخليجيين التاريخيين الكبار، الذين راهنوا فقط على واشنطن، ومجىء جيل جديد بأفكار مختلفة وأكثر انفتاحا، والعامل الثانى هو زيادة التهديدات الإيرانية للخليج، وبدلا من التزام أمريكا بردع طهران، فإن الرئيس الأسبق باراك أوباما وقع اتفاق«٥+١» مع طهران بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، وبموجبه انفتحت واشنطن على إيران، وبدأت فى إلغاء العقوبات والأهم أن «عقيدة أوباما» التى كشف عنها مقال مهم فى دورية «أتلانتا»، تضمنت أنه حان الوقت كى تنحسب أمريكا من هذه المنطقة ومشاكلها، وتركز أكثر على جنوب شرق آسيا ومجابهة الصين الآخذة فى التقدم لإحلال الصدارة العالمية الاقتصادية.
الرسالة التى وصلت للعديد من الدول العربية خصوصا فى الخليج أن الإدارة الأمريكية تريد أن تعود إيران كما كانت أيام الشاه شرطى المنطقة، وهى الرسالة التى تأكدت أكثر مع مجىء إدارة بايدن للحكم فى العام ٢٠٢٠، ومحاولته إعادة الاتفاق النووى مع إيران الذى ألغاه دونالد ترامب.
كل ذلك تزامن مع الموقف المائع من الولايات المتحدة والغرب عموما من الأزمة اليمنية، بل ومهاجمة السعودية والإمارات وانتقادها الدائم فى هذا الصدد.
هنا كان على عرب الخليج البحث عن صيغة جديدة بعد أن سقطت صيغة أو «اتفاقية كوينسى» التى وقعها الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكى الأسبق روزفلت فى البحيرات المرة المصرية عام ١٩٤٥.
الولايات المتحدة أخلت بجوهر الاتفاق القديم وهو تأمين الخليج ضد التهديدات الخارجية مقابل الولاء وتأمين إمدادات النفط.
فى المقابل فإن بعض الدول العربية الأخرى مثل سوريا والجزائر والعراق راهنوا طويلا على الكتلة الشرقية ضد أمريكا.
واكتشف الجميع فى النهاية أن الدول الكبرى لا تحب العرب أو غيرهم من أجل سواد عيونهم ولكن بحثا عن مصالحهم.
وبالتالى فإن ما فعله العرب أخيرا هو خطوة فى الاتجاه الصحيح وتعنى ــ إذا صحت النوايا ــ بداية التحرر من عبودية الحلف المقدس مع هذه الدولة الكبرى أو تلك، بل إقامة علاقات مع الجميع على أساس المصلحة أولا، فهل ينجح العرب؟!.