بقلم - عماد الدين حسين
قبل أيام قليلة قابلت مسئولا مطلعا بدقة على الأوضاع الاقتصادية. وخلال الحديث كانت القنوات الفضائية المختلفة تتناقل تصريحات مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا جورجيفا، والتى قالت فيها إن العام الجديد ٢٠٢٣، قد يكون أصعب من سابقه الذى انقضى منذ أيام قليلة.
سألت هذا المسئول المرموق عن تأثير تصريحات وتوقعات مديرة الصندوق المتشائمة على أوضاع منطقتنا الاقتصادية، وعلى مصر.
الرجل لم يتردد فى القول إننا نتوقع فترة صعبة جدا فى مصر والمنطقة فى الفترة المقبلة خصوصا فى الدول التى تتشابه أوضاعها الاقتصادية معنا، لكن بالطبع فإن الأمر يختلف إلى حد كبير، من دولة إلى أخرى. فالدول النفطية استفادت إلى حد كبير من ارتفاع أسعار الطاقة منذ الغزو الروسى لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير الماضى.
من وجهة نظر هذا المسئول المهم فإن الاقتصاد المصرى كان يسير بصورة جيدة جدا، وكل المؤشرات الكلية كانت إيجابية، والشهادات الدولية الإيجابية لم تتوقف، وآثار برنامج الإصلاح الاقتصادى كان يفترض أن تبدأ فى الظهور ليشعر به المواطنون بالتدريج، لكن المشكلة الحقيقية بدأت فعليا مع ظهور فيروس كورونا أوائل عام ٢٠٢٠.
وقتها مصر تصرفت بصورة صحيحة، ولم تغلق اقتصادها، لكن الاقتصادات الكبرى خصوصا فى الصين وأوروبا والولايات المتحدة، أغلقت اقتصاداتها جزئيا أو كليا فأصيب الاقتصاد العالمى بالشلل، خصوصا مع توقف حركة الطيران، وما صاحب ذلك من تعطل أو بطء سلاسل الإمدادات.
فى ظل الإغلاقات توقف الإنتاج ومعظم النشاط الاقتصادى. وبعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة التى قدمت منحا ومساعدات تحفيزية لمواطنيها تجاوزت ٢ تريليون دولار، وهو ما فعلته دول أوروبية أخرى. هذا التصرف يبدو إنسانيا وطبيعيا فى إحدى صوره، لكنه فى المنظور الاقتصادى والمالى كان عبارة طبع نقود ورقية، من دون أن يكون مقابلها إنتاج سلع وبضائع.
وفى اللحظة التى بدأ العالم يفيق فيها من كورونا إلى حد ما، وتقل الإصابات ويعود النشاط الاقتصادى خصوصا فى الصين وأوروبا وأمريكا، جاءت الضربة الأسوأ، بالأزمة الروسية الأوكرانية.
تداعيات هذه الحرب أدت إلى رفع أسعار البترول إلى مستويات قياسية وصلت ذات يوم إلى ١٣٩ دولارا، والأمر نفسه لأسعار الغاز وبقية أنواع الوقود.
الأخطر أن هذه الأزمة أدت إلى رفع أسعار العديد من السلع الأساسية مثل الحبوب. وعلينا تذكر أن مصر تستورد ٨٠٪ من حبوبها من روسيا وأوكرانيا، وسائحو البلدين يمثلان أكثر من ٨٠٪ من إجمالى السياحة فى شرم الشيخ والغردقة.
يضيف المسئول المهم أن «الأموال السهلة» انتهت، وقبل ظهور هذه الأزمة كانت أسعار الفائدة تقترب من الصفر فى أمريكا وأوروبا، ولكن مع بدء الأزمة، وجدنا واشنطن تبدأ فى رفع سعر الفائدة ليصل الآن لأكثر من ٣٫٥٪ وهى مستمرة فى نفس هذه السياسة، هذا الأمر أدى فورا إلى انسحاب الأموال الساخنة من مصر ومن غالبية الأسواق المماثلة.
وحسب تعبير المسئول فإن صانع القرار فى الولايات المتحدة قرر وقتها أن «يرش أكثر من ٢ تريليون دولار على مواطنيه» لكن الذى دفع الثمن الفعلى لهذا القرار هو العديد من الاقتصادات الناشئة. وتزامن ذلك مع زيادة أزمة الديون العالمية، والصراع الصينى الأمريكى اقتصاديا، وبين الغرب وروسيا عسكريا، ولا أحد يعرف على وجه اليقين إلى متى تستمر الحرب وكيف تنتهى، وهل يمكن أن تتطور مثلا إلى مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا أو إلى استخدام الأسلحة النووية؟!
هذا هو ما سمعته من هذا المسئول الكبير، لكن السؤال الذى قد يسأله أى مواطن مصرى هو: هل كل أسباب التحديات الاقتصادية فى مصر سببها الخارج، أم أن هناك أيضا أسبابا داخلية وما هى نسبتها؟!
كان الله فى عون الجميع هذه الأيام.