بقلم - عماد الدين حسين
هل عقد قمة حلف شمال الأطلنطى «الناتو» فى فيلينوس عاصمة ليتوانيا التى اختتمت اليوم الأربعاء كان مقصودا ورسالة موجهة إلى روسيا أم لا؟!.
سؤال بديهى أعتقد أن كثيرين فكروا فيه.
عصر يوم الإثنين الماضى حضرت لقاء مع أحد كبار المسئولين بالحلف فى إحدى قاعات المركز الصحفى للقمة فى العاصمة الليتوانية فيلينوس وخلال اللقاء قال هذا المسئول إن عقد القمة فى العاصمة الليتوانية تحدد قبل الغزو الروسى لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، وبالتالى لا يمكن أن نقول إن الحلف أراد استفزاز روسيا فى هذه النقطة تحديدا، لكن وفى المقابل فإن إصرار الحلف على عقد القمة فى هذا المكان خصوصا بعد الغزو الروسى هو رسالة مهمة لروسيا وغيرها بأن الحلف مصمم على الدفاع عن ليتوانيا وعن كل شبر فى أراضى الدول الأعضاء بالحلف.
ولكن لماذا عقد القمة فى فيلنيوس مسألة فيها جانب رمزى؟!
الإجابة ببساطة أن ليتوانيا كانت إحدى الجمهوريات فى الاتحاد السوفييتى الذى تفكك فى عام ١٩٩١، ومعها بقية دول البلطيق أى لاتفيا واستونيا.
ليتوانيا كانت السباقة فى إعلان الاستقلال عن الاتحاد السوفييتى فى ١١ مارس ١٩٩٠ أى قبل التفكك فى حين أن غالبية الجمهوريات فى الاتحاد حصلت على استقلالها بعد التفكك خصوصا الدول الواقعة فى الجزء الآسيوى من الحلف.
فى حين أن بولندا ربما تكون قد ضربت الرصاصة الأولى فى نعش الاتحاد السوفييتى حيث إن إضرابات العمال عام ١٩٨٠ فى ميناء جدانسك الشهير قد أدت إلى تكوين اتحاد نقابى مستقل وقوى معارض للاتحاد السوفييتى بقيادة ليخ فاونسا الذى تمكن من اكتساح الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام ١٩٩٠ وحصلت البلاد على كامل حريتها عام ١٩٩١ وصارت من أكثر البلدان المعارضة لروسيا والداعمة لأوكرانيا فى الحرب الحالية بل والمتشدد الأكبر داخل حلف الناتو لضم أوكرانيا فورا للحلف وهى المنفذ الرئيسى للمساعدات العسكرية العالمية لأوكرانيا.
نعود إلى رمزية ليتوانيا ونضيف أن قربها من الحدود الروسية يبين لنا إلى أى مدى اقترب حلف الناتو من هذه الحدود الروسية. خصوصا أن جيب كالينجراد ذا الأغلبية الروسية يقع فى الجنوب الغربى من ليتوانيا وتريد روسيا أن تصل إليه بقواتها خلال حربها الراهنة مع أوكرانيا، ثم إن ليتوانيا قريبة جدا وبالتالى فهى تجاور روسيا عمليا.
وحينما تستضيف قمة الناتو وهى عضو فيه منذ عام ٢٠٠٤ فهى تريد أن تنقل الحلف إلى حدود روسيا، وليس مستغربا أن تكون هناك قوات من الحلف على الأراضى الليتوانية فى رسالة لمن يهمه الأمر بأن الحلف سيدافع عن حدود أعضائه وفى مقدمتهم ليتوانيا كما جاء على لسان ينس ستولنبيرج الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسى» (الناتو) فى أكثر من لقاء صحفى فى الأيام الأخيرة.
بالطبع لا توجد مقارنة بين روسيا القوة النووية العظمى، وليتوانيا التى يقل عدد سكانها عن ٣ ملايين نسمة، لكن انعقاد قمة الناتو على أراضيها رسالة لا تخطئها العين فى الصراع الطويل بين روسيا وحلف الأطلنطى خصوصا بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، ثم الدعم اللا محدود من الناتو لأوكرانيا والمقاومة الأوكرانية المتزايدة للقوات الروسية ثم بدء التلميح الروسى إلى أن الأسلحة النووية لن تبقى فى المخازن طوال الوقت.
من أجل كل ما سبق فإن قمة الناتو الأخيرة فى فيلينوس كانت مهمة جدا لأن هذه المنطقة الواقعة بين روسيا وألمانيا قد تكون مسرح المواجهة المباشرة بين روسيا والحلف وفى حالة حدوث ذلك فإن شبح الحرب العالمية الثالثة سيكون قريبا لكن هذه المرة سيكون نوويا خصوصا إذا كانت هزيمة أحد الطرفين مذلة.