بقلم - عماد الدين حسين
المصافحة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس التركى رجب طيب أردوغان عصر يوم الأحد الماضى فى الدوحة برعاية من أمير قطر تميم بن حمد، حافلة بالمعانى والدلالات والدروس والعبر.
الدرس الأول والأساسى فى هذه المصافحة هو أن السياسة لا تعرف العواطف والمشاعر، بل تتعامل فقط مع مصالح الأمم والأوطان.
للأسف فإن العديد من المواطنين فى المنطقة العربية لا يدركون هذه القاعدة.
العبرة فى السياسة أن أحقق مصالحى حتى لو كانت بالتحدث إلى أو الاجتماع مع أشخاص لا نحبهم.
فى السياسة ليس مطلوبا منى أن أحب هذا الرئيس أو أكرهه. وأغلب الظن أن العديد من الرؤساء وكبار المسئولين يضطرون للتعامل مع سياسيين كثيرين لا يحبونهم، لكنهم يفعلون ذلك من أجل مصلحة أوطانهم.
هؤلاء يكتمون مشاعرهم وعواطفهم ويضطرون إلى الجلوس مع مسئولين قد لا يكنون لهم الكثير من الود، ويظل ما فى القلب داخل القلب فقط، لأن مصالح الأوطان أهم وأبقى.
ومن لا يصدق ذلك عليه أن يمحص فى الصور والملامح والنظرات والانفعالات وطريقة السلام ولغة الجسد بين القادة وكبار المسئولين حينما يتقابلون بعد طول جفاء.
الرئيس السيسى تحمل الكثير على المستوى الشخصى خصوصا فى الخارج من أجل المصالح المصرية العليا.
فى المقابل، فإن سلوك الرئيس التركى أردوغان طوال السنوات الماضية كان شديد التقلب والبراجماتية والنفعية، ليس فقط فى المنطقة، ولكن فى العالم أجمع.
من يتذكر كيف تصرف أردوغان عقب ثورة المصريين على حكم جماعة الإخوان فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، سوف يدرك ما أقصده على الفور. وبعيدا عن نكء الجراح وتقليب المواجع فإن سلوك أردوغان وقتها كان أكثر حدة وتطرفا حتى من بعض قادة جماعة الإخوان أنفسهم.
هو دخل وأدخل بلاده فى حالة عداء كامل ليس مع مصر فقط ولكن مع غالبية بلدان المنطقة خصوصا السعودية والإمارات والبحرين. ومن الواضح الآن أن ما راهن عليه لم يتحقق، ولذلك بادر فورا باعتباره براجماتيا محترفا إلى تغيير البوصلة بصورة كاملة.
فبعد أن هاجم الإمارات وقادتها زار أبوظبى، واستقبل محمد بن زايد فى أنقرة، وبعد أن طالب بمحاكمة ولى عهد السعودية محمد بن سلمان فى قضية مقتل جمال خاشقجى، استقبله فى أنقرة وزاره فى الرياض، وأغلق القضية تماما.
وبعد أن هاجم مصر وحكومتها وقيادتها مرارا وتكرارا، رأيناه يطلق العديد من التصريحات الإيجابية طوال عام ونصف العام مضيا بحق مصر، ملحا على ضرورة المصالحة ونسيان الماضى، بل واتخذ إجراءات كثيرة بحق بعض ــ وليس كل ــ عناصر من جماعة الإخوان وأوقف بث قنواتهم من بلاده، بل واستدعى بعض قادتهم للتحقيق معهم لمواصلتهم التحريض على الأمن والاستقرار فى مصر والدعوة للتظاهر ضد الدولة المصرية.
محبو أردوغان فى المنطقة لا يريدون أن يصدقوا ويؤمنوا بقصة المصالح والبراجماتية، ولا يريدون أن يتأملوا موقف الرئيس التركى فى الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية.
يفترض أن تركيا عضو فى حلف شمال الأطلنطى، لكنها حصلت على أسلحة متطورة «اس ٤٠٠» من روسيا العدو التقليدى للحلف، واصطدمت مع واشنطن بعد أن أوقفت الأخيرة تزويدها بطائرات «الإف ٣٥»، ثم صارت أنقرة الوسيط الأساسى بين روسيا وأوكرانيا سواء فى إدخال المواد الإغاثية أو تصدير الحبوب من موانئ البحر الأسود.
هل معنى كلامى السابق أن أردوغان غير أفكاره وقناعاته وربما انحيازه لجماعة الإخوان؟!.
تقديرى الأساسى أن الإجابة هى لا، لكنه أدرك أن رهاناته لم تكن صحيحة، وبالتالى قرر أن يغير سياساته تماما، وبوصلته الوحيدة هى مصالحه الشخصية ومصالح حزبه وحكومته، وهدفه الأساسى أن يصل إلى الانتخابات الرئاسية فى العام المقبل وقد عاد مرة أخرى إلى سياسة «صفر مشاكل»، بعد أن كانت سياساته «صفر توافق».
لا ننسى أيضا أن أردوغان الذى دعم ومول وساهم فى شن حرب مسلحة لإسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا، عاد قبل أسابيع للقول أنه مستعد لمقابلة الأسد. ولم يحدث هذا إلا بعد أن أخفقت كل حسابات أردوغان هناك.
خلاصة القول أن السياسة متغيرة حسب المصالح سواء كانت شخصية أو وطنية أو أممية.
بالطبع يا حبذا لو اتسقت المصالح مع المبادئ مع الأقوال والتصريحات والمواقف، لكن الأصل فى السياسة أنها تتغير حسب المصالح. وبالتالى فعلى الجميع التذكر دائما أن الهدف الأساسى هو مصالح بلدنا، أولا وأخيرا وكيفية تحقيقها بأفضل طريقة ممكنة.