بقلم - عماد الدين حسين
من أخطأ ومن أصاب فى وسائل الإعلام المختلفة فى واقعة توقيف الفنانة منة شلبى فى مطار القاهرة مساء يوم الجمعة الماضى للاشتباه فى وجود مواد مخدرة بحوزتها خلال عودتها من نيويورك؟
هذا السؤال وجهه لى مذيع قناة «بى بى سى» فى التاسعة إلا الثلث من مساء السبت الماضى.
معيار الحكم ليس رأيى الشخصى بل القواعد المهنية الراسخة، إضافة للقوانين التى تحكم عملية النشر.
مبدئيا وحتى هذه اللحظة فإن منه شلبى بريئة إلى أن تثبت إدانتها، وبالتالى فأى تعامل مع قضيتها ينبغى أن يكون فى إطار ذلك. ولا يمكن الاسترسال فى انتقادها ودمغها بالتهمة. إلى أن تحسم تحقيقات النيابة الأمر، فإما تعلن براءتها أو تحيلها إلى المحاكمة.
بداية القصة أن جمارك المطار وطبقا لبيانها الرسمى شكت فى أن هناك ممنوعات بحوزة الراكبة، وبالتالى فإن أول الأخبار التى نشرت عن القضية كانت سليمة وصحيحة، لأنها قالت إن الجمارك أوقفت الراكبة وضبطت معها ممنوعات. وبالتالى فإن هذه الوسائل الإعلامية استندت إلى مصدر واضح ورسمى ومسئول وهو الجمارك صاحبة الولاية الأصلية فى الأمر.
لكن الخطأ الأول الذى وقعت فيه المواقع الإخبارية هى أنها تعاملت مع الراكبة أو الفنانة باعتبارها مدانة بل إنها لم تكن حتى متهمة رسمية حتى هذه اللحظة.
أما الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه صحف ومواقع كبرى فهو نشر صورة جواز سفر الراكبة حيث ظهرت بياناتها الأساسية من أول تاريخ ميلادها إلى عنوان سكنها وهو انتهاك فاضح وفادح للخصوصية ومخالفة صريحة للبند رقم ٢ من المادة ١٧ من كود ضوابط وأخلاقيات نشر أخبار الجريمة، الصادر منذ شهور من المجلس الأعلى للإعلام، ويفترض أنه وصل إلى كل وسائل الإعلام المختلفة.
هذا خطأ كبير. وينبغى أن يتم تدريب العاملين فى تغطية أخبار الجرائم وكذلك القائمين على النشر خصوصا فى المواقع الإلكترونية، على ضرورة عدم الوقوع فيه، والتطبيق الدقيق للقواعد المهنية والأكواد الصادرة من المجلس الأعلى للإعلام، والتى لعب المستشار محمود فوزى الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام دورا كبيرا فى صياغتها.
بعيدا عن هذا الخطأ فإن وسائل الإعلام تعاملت بموضوعية إلى حد كبير مع هذا الخبر، خصوصا أن البيان الذى أصدرته مصلحة الجمارك ووضعته على صفحتها بعد الإعلان عن الحادث بقليل جاء مؤيدا لغالبية ما تم نشره على الوسائل الإعلامية المختلفة، وكان البيان واضحا ووافيا فى سرد تفاصيل القصة نهاية بحجم المضبوطات واسمائها وأوصافها.
أما بيان النيابة العامة الذى صدر فى مساء نفس الليلة وبعد بيان مصلحة الجمارك بقليل فجاء أيضا مؤيدا إلى حد كبير لبيان الجمارك ولما تم نشره، وإن كانت لغته كانت منضبطة قانويا بالتأكيد على أن الراكبة ليست مدانة وأنه تم تحويل المضبوطات للطب الشرعى لبيان هل هى مخدرات أم لا.
وفى الناحية الأخرى فإن إخلاء سبيل الراكبة بخمسين ألف جنيه يعنى أن هناك احتمالا بوجود قرائن قد تؤيد ما جاء فى بيان مصلحة الجمارك وتحقيقات ضباط الشرطة المتواجدين بالمطار، علما بأن مصلحة الجمارك ليس لها علاقة أو ولاية بالتحقيق فى قضايا المخدرات، بل هو اختصاص أصيل للنيابة العامة، ويتوقف دور الجمارك عند التعامل مع الركاب القادمين وسؤالهم وتفتيش أمتعتهم وتفتيشهم شخصيا للتأكد من عدم وجود ممنوعات وتطبيق قانون الجمارك عليهم لكن فى حالة ضبط مخدرات يتم إحالة الراكب إلى النيابة العامة للتحقيق معه.
المشكلة الحقيقية فى قضية منة شلبى هى أن هناك الكثير من الناس يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعى باعتبارها وسائل إعلام. صحيح أن معظم السوشيال ميديا ينقل أحيانا من وسائل الإعلام العادية والتقليدية، والإلكترونية، لكن هناك صفحات كثيرة تنتحل صفة وسائل الإعلام تفتى فى كل شىء، من دون رقيب أو حسيب. والمأساة أن كثيرا من الناس يصدقونها.
فى قضية منة شلبى ينبغى أن ندين انتهاك الخصوصية. وإدانة الفنانة قبل ثبوت حتى اتهامها، لكن فى المقابل فإن غالبية وسائل الإعلام تعاملت بمهنية مع الواقعة.
شخصيا أتمنى أن تسفر التحقيقات عن براءة منة شلبى فهى فنانة متميزة أولا، وثانيا أن بعض الفئات لديها موقف مسبق من كل الفنانين ويتعاملون معهم باعتبارهم جميعا منحلين ومدمنين وهو ما يرسخ نظرة بعض المتطرفين عنهم. بما يقودهم إلى تحريم الفن نفسه، والحديث موصول.