بقلم - عماد الدين حسين
كيف سيكون شكل المنطقة العربية والإقليم الشرق أوسطى فى حالة تَحَسُّن العلاقات المصرية التركية، واستجابة أنقرة للمطالب المصرية العادلة التى كانت سببا فى جمود العلاقات منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣؟!
هذا السؤال وجهته لى زينة يازجى مذيعة برنامج «دائرة الشرق» على قناة «الشرق ــ بلومبيرج» فى التاسعة من مساء الإثنين الماضى، فى إطار حوار بشأن تحليل المصافحة المهمة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره التركى رجب طيب أردوغان على هامش الحفل الافتتاحى لبطولة كأس العالم فى العاصمة القطرية الدوحة يوم الأحد الماضى.
السؤال مهم، لأن كثيرين لا يطرحونه بهذا الشكل، بل يتحدثون دائما عن الجوانب السلبية، وسيناريوهات المستقبل فى حال استمر التوتر والجمود بين البلدين، كما كان قبل تسع سنوات.
نعرف تماما ما الذى حدث بسبب إصرار الرئيس أردوغان على دعم جماعة الإخوان بعد أن أسقطها الشعب المصرى وأخرجها من الحكم قبل تسع سنوات.
ونعرف نتائج التدخل التركى السافر فى ليبيا ودعمه للميليشيات المسلحة، وكيف حول ليبيا الشقيقة إلى أرض ينطلق منها الإرهابيون والمتطرفون إلى مصر وبعض دول المنطقة. ونعرف تماما نتائج التصعيد التركى فى منطقة شرق المتوسط ضد اليونان وقبرص، والإصرار على التنقيب بصورة تتنافى مع القانون الدولى سواء مع اليونان أو ليبيا.
لكن علينا أن نتخيل ما الذى يمكن أن يعود على البلدين وعلى المنطقة بأكملها فى حال قرر الرئيس التركى وحكومته الاستجابة لصوت العقل، وأنصت إلى المطالب المصرية العادلة، وليس مجرد تجميد المشكلة مع مصر، حتى يعاد انتخابه فى العام المقبل، بعد أن تسببت سياساته فى انعزال تركيا إقليميا وتدهور اقتصادها بشكل غير مسبوق وارنفعت قيمة الدولار الأمريكى من أربع ليرات إلى حوالى 18 ليرة.
لو تحسنت العلاقات على أسس سليمة فإن أول المستفيدين هم الشعبان التركى والمصرى، خصوصا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين قوية، ولها أساس ثابت منذ عقود، وهناك علاقات شعبية وثقافية منذ قرون، وبالتالى فإن تحسن العلاقات سوف يعود بالنفع الكبير على شعبى البلدين.
المستفيد الثانى إذا تحسنت العلاقات هو الشعب الليبى، لأنه يمكن للتفاهم المصرى التركى أن ينهى حالة الاستقطاب فى ليبيا، ويتوصل إلى حل وسط يوحد البلاد، ويقضى على الانقسامات والفرقة وينهى الميليشيات المسلحة ويطرد المرتزقة الاجانب، ويحجم من نفوذ المتطرفين والإرهابيين، ويوحد المؤسسات خصوصا العسكرية وإذا حدث ذلك فإن الجميع سيكون مستفيدا وأولهم مصر وتونس والجزائر ودول الساحل والصحراء بعد أن تحولت مناطق فى جنوب ليبيا إلى مأوى آمن للإرهابيين.
إذا حدث التقارب يمكن لمصر أن تساهم بقوة كوسيط فى حل الخلاف التركى مع كل من قبرص واليونان، وعلينا أن نلاحظ أن وزير الخارجية سامح شكرى استقبل نظيره اليونانى نيكوس ديندباس بعد ساعات من المصافحة بين السيسى وأردوغان، ومن الطبيعى أن تؤكد مصر لليونان وقبرص إن أى تحسن محتمل فى العلاقات مع تركيا لن يكون على حساب البلدين، بل ربما يساهم فى حل المشاكل بينهما خصوصا أن العلاقات المصرية اليونانية قديمة وراسخة ليس فقط بين الحكومات ولكن بين الشعبين.
الشعب الفلسطينى سيكون أيضا من المستفيدين من هذا التقارب، خصوصا أن البلدين يمكنهما فعل الكثير للقضية الفلسطينية بما قد يقود إلى حلحلتها، أو على الأقل الحد من الصعود المتوالى لليمين الصهيونى المتطرف فى إسرائيل.
المنطقة بأكملها سوف تستفيد من هذا التقارب إذا تم على أسس عادلة خصوصا أنه سيقود إلى مزيد من تجفيف منابع الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية ليس فقط فى مصر، ولكن فى عموم المنطقة وتحديدا سوريا، حيث يمكن لمصر فى هذه الحالة أن تساهم فى حل الخلافات الكبرى بين أنقرة ودمشق، خصوصا أن أردوغان أكد أكثر من مرة مؤخرا أنه مستعد لمقابلة بشار الأسد بعد أن كان رأس الحربة فى محاولات إسقاطه منذ مارس 2011.
مصر لم تبادر إلى معاداة تركيا أو الإضرار بها وبمصالحها، وبالتالى فالكرة الآن فى ملعب الرئيس التركى، وعليه أن يستمر فى إزالة المعوقات حتى تعود العلاقات بين البلدين قوية وعلى أسس صحيحة وثابتة، وإذا حدث ذلك فسوف يكون خبرا سعيدا لكل دول وشعوب المنطقة.