بقلم - عماد الدين حسين
المؤكد أن هناك أسبابا خارجية وأخرى داخلية للأزمة الاقتصادية الراهنة، وقد لا تكون الحكومة قادرة على توفير كل ما يحتاجه السوق من دولارات، لكن المؤكد أن هناك إمكانية لقيام الحكومة وأجهزتها المختلفة بالتخفيف من حدة الأزمة عبر إجراءات محددة.
سمعت زميلا صحفيا يقول إن أحد أصحاب الأبقار فى قريته يبيع كيلو اللبن للتاجر الأول بثمانية أوتسعة جنيهات فقط، فى حين أنه هو شخصيا يشترى هذا الكيلو من التاجر الأخير بأكثر من ٢٣ جنيها، وقد تبيعه بعض المراكز التجارية الكبرى بثلاثين جنيها.
وسمعت آخرين على مدى الفترة الأخيرة يتحدثون عن نفس الموضوع لكن عن سلع مختلفة ومتنوعة.
وبالتالى السؤال: هل هناك منطق اقتصادى أو اجتماعى أن يكون مكسب التاجر أو سلسلة الوسطاء خمسة أضعاف السعر الأساسى؟! وإذا كنا سنقدم الدعم أليس من المنطق أن يذهب أساسا للمنتج الحقيقى وهو المزارع أو الصانع؟!
مرة أخرى أنا اليوم لا أتحدث عن جوهر الأزمة الاقتصادية التى نعانى منها فى الفترة الأخيرة، وتعانى معنا العديد من دول العالم بدرجات مختلفة، وتقول الحكومة كثيرا إنها أزمة عالمية، وبالتالى لا يمكنها التدخل كثيرا.
نعم هى أزمة عالمية فى بعض جوانبها وتأثر بها كثيرون فى العالم وفى منطقتنا لكن هناك أسبابا داخلية أيضا، أحدها وليس كلها دور المحتكرين والوسطاء.
أدرك أن العرض والطلب هو القاعدة الأساسية التى تحكم نظام الأسواق فى كل بلدان العالم.
وأدرك أيضا أن تطبيق التسعيرة الجبرية لن يجدى نفعا إذا كان هناك خلل كبير فى ظل زيادة الطلب وقلة العرض.
أدرك كل ذلك، لكن من المؤكد أن هناك هامشا تستطيع أن تتحرك فى ظله الحكومة وأجهزتها المحلية والرقابية المختلفة لتطبيق مفهوم «الدور المنظم»، فى ظل أن الحكومة انسحبت من العديد من دور المنتج فى سلع وبضائع استهلاكية مختلفة.
الحكومة تحدثت أكثر من مرة فى الأسابيع الأخيرة عن أسعار استرشادية للسلع الأساسية، لكن كل ذلك لم يلمسه المواطن كثيرا وهو يشترى هذه السلع، وهذا يعنى أن هناك شبه غياب كامل عن السيطرة على سلسلة الوسطاء الكثيرين والمحتكرين خصوصا للسلع الأساسية.
صحيح أن ارتفاع أسعار الدولار هو عامل حاسم فى تسعير العديد من السلع التى يدخل فى إنتاجها عناصر ومكونات ومستلزمات مستوردة، لكن الأصح أيضا أن العديد من السلع الأساسية تراجعت أسعارها عالميا فى الفترة الأخيرة، بل وعاد بعضها إلى مستويات ما قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل شهور. ومن هذه السلع القمح وغالبية الحبوب، خصوصا بعد استئناف صادرات الحبوب الأوكرانى.
هناك سلع مهمة جدا لكل الناس اسمها رغيف الخبز. الحكومة مشكورة ما تزال رغم كل الأزمات تبيع الرغيف المدعم لـ ٧٠٪ من المواطنين بخمسة قروش وهو أمر مهم جدا. لكن ما يحدث فى سوق الخبز الحرة أو السياحية لا يمكن فهمه تحت أى منطق.
كانت الحكومة قد حددت أسعارا للرغيف الحر بالاتفاق مع اتحاد الغرف التجارية طبقا لوزن الرغيف لكن أصحاب المخابز ضربوا بهذا الاتفاق عرض الحائط، وصار الرغيف الذى كان يباع بربع جنيه قبل فبراير الماضى، يباع بأكثر من جنيه الآن. وهناك أرغفة تباع بجنيهين.
وبالتالى فالمواطنون يسألون سؤالا بسيطا وهو: ألا يمكن أن يكون هناك مكسب عادل لصاحب المخبز بحيث لا يتجبر؟ وهل الأسعار الحالية منطقية أم لا؟!
نعود إلى سلسلة الوسطاء وللأمانة هى مشكلة مزمنة منذ سنوات، والضحية فيها المنتج الأصلى والمستهلك النهائى والكاسب الوحيد هم سلسلة الوسطاء والمحتكرين.
ظنى الشخصى أن هناك فرصة ذهبية للحكومة كى تبعث برسالة مهمة للمواطنين بأنها تشعر بمعاناتهم وتضحياتهم وهمومهم إذا وجهت ضربات قاضية للرءوس الكبيرة من المحتكرين.
وأظن أيضا أن معظم هؤلاء معرفون بالاسم لدى الحكومة وأجهزتها الرقابية، وبعضهم لا يمكن أن يمارس عمله إلا فى ظل تراجع دور المحليات ومفتشى التموين وسائر المنظومة الرقابية.
حينما حدثت مشاكل مشابهة فى الصين، قبل عقود ألفت السلطات القبض على التجار والمحتكرين الجشعين وحاكمتهم محاكمة سريعة وأعدمتهم وعلقت رءوسهم فى وسط الميادين العامة، فارتدع الجميع.
لا نريد من حكومتنا أن تفعل نفس الشىء حتى لا نتهم بأننا ضد حقوق الإنسان، بل أن تحاكم هؤلاء محاكمة عادلة وتطبق عليهم صحيح القانون، أو على الأقل تمنعهم من الأذى وسرقة قوت الشعب الغلبان.