بقلم - عماد الدين حسين
قصة حياة نجم كرة القدم المغربية حكيم زياش ملهمة وموحية، وليت كل الشباب العربى يعرفونها خصوصا الذين يهاجرون منهم للخارج، ويعتقدون أنهم تركوا جهنم ووصلوا إلى الجنة.
فى مارس عام ١٩٩٣ ولد حكيم زياش فى مدينة دروش الهولندية الصغيرة، لعائلة تضم بجانب الأب والأم ٨ أشقاء وشقيقات، وحينما بلغ العاشرة توفى والده.
حكيم كان محبا للكرة منذ صغره وكانت موهبته واضحة للجميع، لكن مشكلته أنه وبعد وفاة والده واجه هو وعائلته ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة جدا، جعلته يدمن المخدرات، لكن والدته وقفت بجانبه دائما، وساعدها فى ذلك أحد أصحاب الفضل المغاربة وهو اللاعب والمساعد الاجتماعى الدكتور عزيز ذو الفقار، حيث لعب الدور الأكبر فى مساعدته على الإقلاع عن الإدمان والتركيز على التدريب.
لعب زياش فى «أكاديمية الشباب» فى ريال درونتن و«نادى آى أس» فى درونتن بين 2001 و2007 قبل أن ينتقل عام 2007 إلى «نادى هيرنفين» الهولندى. ولعب أيضا فى صفوف المنتخب الهولندى تحت ١٩ سنة.
النقلة الكبرى فى حياة زياش جاءت عام ٢٠١٦، حينما انتقل إلى صفوف نادى أياكس امسترام الهولندى المعروف مقابل ١٠ ملايين جنيه استرلينى، وفى أول موسم له سجّل عشرة أهداف.
حكيم لم ينس دور والدته، وينسب أنه يرفض الزواج حتى لا يهملها ولو للحظة. ولذلك حينما فاز بجائزة الحذاء الذهبى التى تنظمها صحيفة «دى تليغراف» الهولندية لأفضل لاعب فى الدورى الهولندى، فقد قرر أن ترافقه والدته، وعلى منصة التتويج قال «هذه أمى، هى كل شىء بالنسبة لى، وهى البطل الحقيقى وليس أنا، إذن حيوها أرجوكم، لأنها من قادتنى اليوم لأقف أمامكم».
وهذا المشهد تكرر بصورة أوسع أمام ملايين المشاهدين الذين تابعوا زياش وهو يقبّل رأس والدته ويحضنها فى الملاعب التى شهدت انتصارات المغرب فى مباريات كأس العالم بقطر حتى وصلوا إلى المربع الذهبى وخرجوا أمام فرنسا بعد أداء مشرف وتاريخى، وكان زياش من نجوم الفريق طوال البطولة.
غالبية من عاشوا نفس ظروف زياش سقطوا فى براثن الإدمان والانحراف والمشكلات، أو فى أحسن الأحوال انزوا فى غرف مظلمة بأحد مراكز علاج الإدمان، أو تعافوا وعاشوا حياة مملة رتيبة، لكنه وبفضل والدته وأسرته تمكن من عبور هذا الامتحان العسير.
النقطة المحورية الخاصة فى حياة زياش هى رفضه اللعب الدولى مع المنتخب الهولندى الأول. هو ولد وعاش حياته كلها فى هولندا، وكل مسئولى المنتخب الهولندى حاولوا إغراءه ليلعب للمنتخب، لكنه رفض، حينما كان عليه أن يختار بين المغرب وهولندا.
الصحافة الهولندية هاجمته بضراوة. بل إن المدير الفنى السابق لهولندا النجم المعروف ماركو فان باستن وصف زياش بأنه غبى، لرفضه اللعب لهولندا.
شاهدت أكثر من فيديو لزياش وهو يرد على الصحافة الهولندية التى انتقدته لعدم تمثيل بلاده، فكانت ردوده غاية فى الشجاعة والفصاحة والانتماء لبلده.
أحد هؤلاء الصحفيين حاول استفزازه بكل الطرق، لأنه لم يرد الجميل لهولندا التى علمته وربته وفتحت أمامه أبواب الرزق. زياش كان هادئا وقال للصحفى ولكنى اخترت بلدى وانتمائى، وأنا غاضب للغاية من نوعية الأسئلة السخيفة التى تسألنى إياها!
هو قال: عندما فضلت المغرب على هولندا قالوا إننى لاعب منتهٍ. وعندما تألقت بدأوا يمتحوننى ويحاولون إغرائى باللعب لهولندا، الأمر مضحك جدا وهم منافقون. منتخب هولندا لم يعن لى أى شىء أنا اخترت المغرب بقلبى وفخور بقرارى، لأننى لم أر منهم سوى التقدير والاحترام.
زياش انتقل قبل عام إلى تشيلسى وصار واحدا من أهم لاعبى الدورى الإنجليزى، ولعب دورا مهما فى صعود بلاده المغرب إلى نهائيات كأس العالم بقطر، كما شارك معه فى نهائيات أمم إفريقيا، لكن المغرب خرجت على يد المنتخب المصرى بهدفى محمد صلاح وتريزيجيه.
زياش نجح بمهارة فى محاربة الإدمان، والنجاح الصعب فى ظروف اجتماعية صعبة للغاية، ثم كان فى قمة العقل والنضج والوطنية حينما اختار بلاده التى لم يولد فيها بدلا من هولندا التى عاش فيها.
ابتسامته وقصة بره لأمه جعلته أيقونة هو والعديد من نجوم المغرب وقدوة لملايين الشباب العرب. نحتاج مثل هذا النوع من النماذج للشباب، وليس أولئك الذين يسبون ويشتمون ويهرتلون ويفسدون أذواق وأخلاق الأجيال الجديدة. الرياضة العربية محتاجة أن تدرس بعمق سر نجاح النموذج المغربى فى المونديال الأخير.