بقلم - عماد الدين حسين
«أوكرانيا لن تدخل حلف الناتو الآن». عبارة صادمة سمعتها كييف سرا وعلانية فى الأيام الأخيرة من العديد من كبار المسئولين الغربيين خصوصا الرئيس الأمريكى جو بايدن.
والسبب فى ذلك بسيط وبديهى وهو أن قبول عضويتها الآن يعنى أن الناتو قرر أن يدخل فى مواجهة عسكرية مباشرة وحرب مع روسيا قد تنتهى بحرب نووية لا تبقى ولا تذر.
السؤال: هل معنى ذلك أن الحلف قد تخلى عن أوكرانيا؟
أكتب هذه السطور من العاصمة الليتوانية فيلنيوس حيث تعقد اليوم وغد القمة السنوية لحلف شمال الأطلنطى الناتو، ويحضرها كبار قادة الدول الأعضاء فى الحلف وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى بدأ جولة ببريطانيا تقوده إلى القمة، وبعدها سيزور فنلندا العضو الجديد فى الحلف وهى زيارة مهمة لدعم هذه الدولة التى دخلت حروبا كثيرة مع روسيا فى الماضى وتخشى على نفسها خصوصا بعد الغزو الروسى لأواكرانيا قبل حوالى ١٥ شهرا.
قمة الناتو الحالية سيكون عنوانها الرئيسى للمرة الثانية هو دعم أوكرانيا بعد القمة السابقة فى العاصمة الإسبانية مدريد، إضافة إلى موضوعات أخرى.
وكان لافتا للنظر أن بايدن وقبل وصوله للعاصمة الليتوانية قد حرص على إرسال رسالة واضحة لا لبس فيها لكل من يهمه الأمر وخصوصا روسيا، بأن عضوية أوكرانيا فى الحلف صعبة للغاية الآن، هو قال بوضوح فى حوار موسع أذيع بالكامل أمس الأول الأحد: يجب أن تنتهى الحرب أولا قبل أن يتم منح العضوية الكاملة لأوكرانيا فى الحلف لأن عضويتها الآن تعنى الدخول فى حرب مع روسيا.
كلمات بايدن جاءت فى حوار مع برنامج «جى بى إس» الذى يقدمه فريد زكريا على قناة سى إن إن.
بايدن قال فى الحوار إنه لا يرى إجماعا بين دول الحلف بشأن انضمام أوكرانيا للحلف وبالتالى فهو لا يرى داعيا للتصويت على الموضوع خلال قمة الناتو اليوم.
وبالطبع فإن بايدن يلمح إلى رغبة بعض دول الحلف فى ضم أوكرانيا فورا خصوصا بولندا. مرة أخرى موافقة الحلف على انضمام أوكرانيا يعنى أنها قررت الدخول فى مواجهة عسكرية واسعة النطاق ومدمرة مع روسيا التى غزت قواتها أوكرانيا فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢.
لكن هل معنى عدم قبول أوكرانيا أن الحلف قد تخلى عنها؟!
الإجابة هى لا. وقد سمعت نقاشات كثيرة هنا فى المركز الصحفى للقمة فى العاصمة فيلنيوس مضمونها أن الحلف يطور كل يوم من أسلحته التى يقدمها لأوكرانيا.
نتذكر جمعيا أنه مع بداية المعارك العسكرية كان موقف الناتو مترددا فى دعم أوكرانيا حتى لا يغضب موسكو، لكن الدعم تطور شيئا فشيئا وبدأ بما يسمى الأسلحة الدفاعية ليصل إلى معظم الأسلحة الهجومية تقريبا من أول الذخائر العادية وصولا إلى القنابل العنقودية التى وافقت واشنطن قبل أيامها على تزويد الجيش الأوكرانى بها، مرورا بالطائرات الإف ١٦ والدبابات الأوروبية الحديثة خصوصا ليوبارد الألمانية، والصواريخ المطورة، وأنظمة الدفاع الجوى الحديثة، ناهيك عن تدريب القوات الأوكرانية على أحدث الأسلحة والتكتيكات العسكرية، إضافة إلى دعم اقتصادى غير مسبوق لأى دولة فى حالة حرب وصراع ربما باستثناء إسرائيل.
إذن المعادلة التى يمكن فهمها الآن هى كالتالى: قمة حلف الناتو الحالية سترفض منح أوكرانيا العضوية الآن لكن الحلف لن يرفض ذلك بصورة مطلقة وقد يبقى الباب مفتوحا، لكنه وعلى أرض الواقع سوف يستمر فى تزويد أوكرانيا بكل الأسلحة المتطورة والهدف هو استمرار استنزاف روسيا وجعلها تنزف بشدة فى أوكرانيا، وضرب عدة عصافير بحجر واحد، من أول إجبار موسكو على التفاوض المرن نهاية بإضعافها الكامل.