هل ستسمح الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى وحلف الناتو للقوات الروسية أن تدخل العاصمة الأوكرانية كييف؟.
هذا سؤال قد يبدو نظرياً إلى حد كبير، في نظر الكثير من الناس، لكنه صار مطروحاً بقوة لدى المراقبين وبعض الحكومات الغربية، بالنظر إلى النجاحات الميدانية المستمرة، التي حققتها القوات الروسية في الشهور الأخيرة في الأراضي الأوكرانية.
ومن يتابع الحرب الكلامية بين روسيا والغرب، سيدرك أن الأمور بدأت تتجاوز الكلمات والتصريحات، إلى التفكير في خطوات على الأرض، قد تقود إلى مخاطر لا يمكن تخيلها.
المعروف أن حلف الناتو أعلن أوائل يناير الماضي، أنه بدأ أكبر تدريب عسكري منذ نهاية الحرب الباردة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، بمشاركة نحو 90 ألف جندي، على الحدود الروسية، تحت اسم كودي «المدافع الصامد»، والهدف هو محاكاة كيفية تعزيز القوات الأمريكية للحلفاء الأوروبيين في دول محاذية لحدود روسيا، وعلى الجناح الشرقي للحلف.
الجديد أن نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، قال قبل أيام إن نطاق تدريبات حلف الناتو «المدافع الصامد»، يشكل عودة لا رجعة فيها من الحلف لمخططات الحرب الباردة.
التعبير الروسي الأقوى على هذه المناورات، جاء من ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية، الأسبوع الماضي، والتي اعتبرت المناورات إشارة واضحة إلى أن «الناتو» يستعد لـ «صراع محتمل مع روسيا»، وهو أمر تتم مناقشته علناً من قبل مسؤولين رفيعي المستوى في الحلف، حسب رأيها.
التقدير الروسي هو أن الحلف يجري أكبر مناورة منذ 34 عاماً، وقرب الحدود الروسية، ووفقاً لسيناريو «الناتو»، فإن إجراءات التحالف ضد روسيا تمت باستخدام جميع الأدوات، بما في ذلك الأسلحة الهجنية والتقليدية.
حلف «الناتو» يتهم موسكو بأنها متورطة في شن حرب إلكترونية ضد الدول الأعضاء، لكن موسكو تنفي ذلك، وتتهم الحلف بأنه هو من يفعل ذلك، من خلال دعم أوكرانيا، ليس فقط بالتمويل والمعلومات الاستخباراتية، بل وبمختلف أنواع الأسلحة.
لكن ما يقلق روسيا، ليس فقط بدء المناورات الأطلسية، ولكن ما كرره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الخميس، 2 مايو، في مقابلة مع صحيفة الإيكونومست، بأن هناك إمكانية لإرسال بلاده قوات إلى أوكرانيا، في حال إذا اخترقت روسيا خطوط الدفاع الأوكرانية، ووصلت إلى العاصمة كييف.
المعروف أن ماكرون لمح بهذا التصريح قبل أسابيع، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً داخل فرنسا وداخل أوروبا، بل إن العديد من الدول الأوروبية أعلنت أنها لن ترسل قوات إلى أوكرانيا.
وجهة نظر ماكرون أنه لماذا تستبعد فرنسا والغرب احتمال إرسال قوات، في حين أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لا يستبعد أي احتمال في الصراع، ملمحاً إلى أن «الآلة العسكرية» الروسية، ليست مستدامة على المدى البعيد.
وقال ماكرون، نصاً: إنفاق ثلث الميزانية على الدفاع أمر غير مستدام بالنسبة لدولة مثل روسيا، ذات ناتج محلي إجمالي أقل من فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا.
الرد الروسي لم يتأخر على تصريحات ماكرون، فالمتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، وصف التصريح بأنه خطير للغاية.
المعروف أن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كامرون، قال أيضاً قبل أيام خلال زيارته لكييف، إن أوكرانيا من حقها أن تستخدم الأسلحة البريطانية في مهاجمة أهداف داخل روسيا.
وهو ما تمت ترجمته لاحقاً في هجمات أوكرانية بطائرات ميسرة متفجرة، ضد منشآت للطاقة داخل الأراضي الروسية. بيسكوف يعتقد أن تصريحات ماكرون وكاميرون من الممكن أن تعرض أمن أوروبا بكاملها للخطر، وحسب رأيه: «إننا نرى اتجاهاً تصاعدياً خطيراً في التصريحات، وهذا يقلقنا».
لكن القلق لا يأتي من جانب موسكو فقط، بل إن وزير خارجية المجر، بيتر سيارتو، قال إن دخول جنود من حلف الناتو إلى أوكرانيا، سيعني تخطي الخطوط الحمراء، لأنه يعنى نزاعاً مباشراً مع روسيا، وهذا سيعني الحرب العالمية الثالثة، وأنه بدلاً من التصعيد، ينبغي وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات السلام.
وأخيراً، فإن ماريا زاخاروفا قالت في رد واضح على تصريحات ماكرون وغيره: «إنه إذا أرسل حلف شمال الأطلسي قوات نظامية إلى أوكرانيا، فلن يتبقى منها شيء، وأي أعمال عدائية ضد شبه جزيرة القرم، محكوم عليها بالفشل، وستتلقى ضربة ساحقة».
إذن، الحرب انتقلت من الكلمات والتعبيرات، إلى المناورات العسكرية على الأرض، والتمهيد السياسي من أعلى مستوى، بإمكانية إرسال قوات أطلسية إلى أوكرانيا.
علينا أن نتذكر أن القوات الروسية ظلت تجري مناورات لأسابيع، ثم فجأة، وخلال المناورات، دخلت إلى أوكرانيا في 24 فبراير عام 2022.
العالم على كف عفريت، ولا يوجد شيء مستبعد.