توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوروبا: الخوف من الفيل وقائده

  مصر اليوم -

أوروبا الخوف من الفيل وقائده

بقلم - أمير طاهري

في أثناء القمة الأخيرة لزعماء الاتحاد الأوروبي في باريس حول أوكرانيا، كان هناك ما يمكن وصفه بـ«فيل داخل الغرفة»، أو مشكلة كبرى يعمد الجميع إلى تجاهلها: الحزب الجمهوري الأميركي وزعيمه الحالي دونالد ترمب.

وطبقاً لما أفاده مَن تمكنوا من اختلاس النظر إلى وقائع القمة، دار الكثير من النقاش حول ما ستفعله الولايات المتحدة، أو لن تفعله، حال امتطاء قائد الأفيال صاحب المزاج المتقلب فيله باتجاه البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وركزت النقاشات بدرجة كبيرة على تأملات ترمب بخصوص إنهاء الحرب في أوكرانيا وتهدئة فلاديمير بوتين من دون حرب، وتعليقه الساخر الذي أعلن فيه رفضه دعم دولة عضو في حلف «الناتو» لا تدفع حصتها، إذا هاجمتها روسيا. وبعد ذلك، جاءت قنبلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن نشر قوات على الأرض في أوكرانيا.

وجاء ما دار في القمة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، وحضرها وزير الخارجية البريطاني اللورد كاميرون، أشبه بالحديث العام، وليس وضع استراتيجيات جادة من جانب رجال دولة ناضجين.

وكان الافتراض الأول الذي قامت عليه المحادثات أن ترمب، بعد أن اجتاز حقل الألغام القضائي الذي دبره خصومه ضده، وخرج من الثلاثاء الكبير فائزاً، ضمن بالفعل ترشيح الحزب الجمهوري ـ الأمر الذي ربما يتحقق بالفعل. ومع ذلك، فإن الحكمة تقتضي في ظل الوضع الحالي للسياسة الأميركية ألا نغفل الأشياء التي يتعذر تقديرها. وتمثل افتراض آخر قامت عليه المحادثات الأوروبية في أن ترمب سيهزم جو بايدن الذي يفترض أنه مرشح الحزب الديمقراطي. أما الافتراض الثالث، والذي تحيطه الشكوك، فيدور حول فكرة أن الجالس بالبيت الأبيض «أقوى رجل» على وجه الأرض، وقبطان قادر على تحويل دفة سفينة الدولة الأميركية العملاقة.

ويذكرني هذا ببعض الملاحظات التي أبداها جورج شولتز، الذي يعد أحد أكثر رجال الدولة حكمة في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. يرى شولتز أن الافتراض العام بأن الرئيس الأميركي قادر على فعل ما يريد، مجرد افتراض مضلل. وعبر عن اعتقاده أنه في واشنطن لا يجري حسم أي أمر مرة واحدة وإلى الأبد، وإنما تبدو كل قضية أشبه بمعركة أبدية لا تنتهي إلا بنهاية أحد الطرفين. وفي خضم لعبة القوة هذه، يعد الرئيس عاملاً رئيسياً، لكنه ليس اللاعب الحاسم الوحيد بأي حال من الأحوال. الأهم أنه رغم تمتع الولايات المتحدة بقوة هائلة، فإنه لا يُسمح للرئيس أبداً باستخدام أكثر من نسبة صغيرة من هذه القوة. وبصفته قبطان السفينة، بمقدور الرئيس تعديل السرعة قليلاً، وإضافة أو حذف من قائمة المرافئ التي تتوقف عندها السفينة، واختيار الموسيقى وقائمة الطعام اليومية.

قد يستنتج أصحاب نظريات المؤامرة من ذلك أن هناك «دولة عميقة» تدير «القوة العظمى الوحيدة الباقية»، أو «الدولة التي لا غنى عنها». وهم على حق، لكنهم مخطئون في الاعتقاد بأن «الدولة العميقة» تتكون من «شبكة صناعية - عسكرية»، مثلما اعتقد دوايت أيزنهاور، أو من «وول ستريت وبارونات الإعلام».

وجدير بالذكر هنا أن فكرة «الدولة العميقة» طرحها الفيلسوف توماس هوبز، في القرن السابع عشر، وأطلق عليها اسم «وحش لوياثان». ومن وجهة نظر هوبز، فإن هذا «الوحش البارد» يشكل الدولة المثالية التي يرأسها حاكم مطلق. وإذا نحّينا جانباً عبارتي «الدولة المثالية» و«الحاكم المطلق» بوصفهما أوهاماً أدبية أكثر من كونهما من المفاهيم السياسية، فإننا نرى «وحش لوياثان» بوصفه واقع دولة اهتمامها الرئيسي وأولويتها القصوى تكمن في الحفاظ على الذات. عندما تتحرك هذه الدولة العميقة، فإن تَحركها ذلك يصب في مصلحتها بشكل صارم، ومبررها الأخلاقي يتمحور حول قدرتها على منع وضع «الجميع ضد الجميع»، وتفشي قانون الغاب. وبالعودة إلى الموضوع الأصلي: لا يستطيع أي رئيس للولايات المتحدة أن يفعل شيئاً من دون الحصول على موافقة ضمنية على الأقل من «الوحش البارد».

وفي مكالمة هاتفية، الأسبوع الماضي، أخبرني صديق يعمل مصرفياً في نيويورك، إنه يتساءل: كيف لم يترد الاقتصاد الأميركي «على نحو سيئ للغاية» في ظل رئيس طاعن في السن يعاني مشكلات في التركيز؟ وتساءل صديق آخر من فلوريدا: لماذا اتخذ بايدن ما يقرب من 100 إجراء بخصوص الهجرة أكثر مما اتخذه ترمب خلال فترة رئاسته التي استمرت أربع سنوات (535 مقابل 472)؟ وحتى ذلك الحين، فإن الرقم القياسي لمعدلات طرد المهاجرين غير النظاميين لا يزال من نصيب الرئيس باراك أوباما.

سؤال آخر: لماذا فشل بايدن في إلغاء نهج ترمب العدائي المفترض تجاه ما يطلق عليه «الاحتباس الحراري»، بينما في الواقع لا يعدو كونه سياسة زائفة «لإنقاذ الكوكب». ورغم الغضب الشديد من قرار نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، تجاهل بايدن مطالبة أنصاره الداعمين لفلسطين له بالتراجع العاجل عن القرار. وحتى عندما لم تكن هناك حرب في أوكرانيا، حث ترمب أعضاء «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي، وفعل الشيء نفسه داخل الولايات المتحدة. وسار بايدن على النهج ذاته، وإن كان على نحو أقل وضوحاً.

على أي حال، تظل الحقيقة أن فترة الولاية الرئاسية الأميركية أقصر من أن تسمح بإجراء تغييرات استراتيجية في المسار على أصعدة رئيسية من السياسة. ولنفترض أن ترمب فاز بالرئاسة في نوفمبر المقبل، فإنه سيتعين عليه الانتظار أكثر من شهرين قبل أن يؤدي اليمين. وبعد ذلك، سيقضي أشهراً في تشكيل حكومته والحصول على موافقة الكونغرس على أفراد الفريق المعاون له. وبمجرد انتهاء عامه الأول ونجاحه في تحديد سرعته، سيتعين عليه الاهتمام بانتخابات التجديد النصفي قبل أن يدخل في عامه الأخير من الرئاسة ويصبح «بطة عرجاء».

الأسوأ من ذلك، أنه باستثناء أيزنهاور، اضطر جميع رؤساء الولايات المتحدة تقريباً منذ هاري ترومان إلى التعامل مع قضايا مختلفة شتت انتباههم. مثلاً، خاض ترومان الحرب الكورية، بينما تورط جون كينيدي وليندون جونسون في فيتنام. أما ريتشارد نيكسون فانتهت به الحال إلى فضيحة «ووترغيت»، وواجه جيرالد فورد فضيحة «ماياغز» وتداعيات الحرب إلى كمبوديا. أما جيمي كارتر فوجد نفسه في مواجهة أزمة «رهائن طهران»، ودخل رونالد ريغان إلى حقل ألغام فضيحة «إيران غيت». أما فترة ولاية جورج دبليو إتش بوش، فهيمنت عليها حرب طرد القوات العراقية من الكويت، بينما انهمك بيل كلينتون في التعامل مع الفضيحة الجنسية التي عصفت به وإجراءات عزله. وبالمثل، استنزفت الحرب في أفغانستان والحرب الثانية في العراق جزءاً كبيراً من رئاسة جورج دبليو بوش.

في الواقع، يبدو اعتقاد ماكرون بأن التغيير في الرئاسة الأميركية قد يعني تغييراً استراتيجياً في السياسات العالمية الأميركية، من بقايا الثقافة الملكية التي، حتى بعد قطع رأس الملك، لا تزال تهيمن على التحليل السياسي الفرنسي.

الحقيقة أن الكراهية الأوروبية لشخص دونالد ترمب، الذي يطالب الآخرين بعدم التعامل مع الولايات المتحدة بوصفها مجرد «خدمة غرف» يمكن الحصول على خدماتها بضغطة زر، تثير الفزع داخل الكثير من الأماكن داخل باريس وبرلين وغيرهما.

ولذلك، يفضل كثير من الأوروبيين رؤية الحمار الديمقراطي، بدلاً من الفيل الجمهوري داخل الغرفة. وتغيب عنهم حقيقة أن الغائب الحاضر في الغرفة ليس الفيل ولا الحمار، وإنما «وحش لوياثان».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا الخوف من الفيل وقائده أوروبا الخوف من الفيل وقائده



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon