توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران وإسرائيل: هل انتهت لعبة الإنكار؟

  مصر اليوم -

إيران وإسرائيل هل انتهت لعبة الإنكار

بقلم - أمير طاهري

«هل سيكون الوضع مختلفاً هذه المرة؟» كان هذا التساؤل الذي أقضّ مضاجع الدوائر السياسية بطهران، مع نقل مزيد من أكياس الجثث جواً إليها قادمةً من دمشق.

حملت الأكياس رفات 13 دبلوماسياً وضابطاً عسكرياً إيرانياً، بينهم اثنان من كبار قادة فيلق «الحرس الثوري» الإيراني، وهما الجنرال محمد رضا زاهدي (الملقب بأبو مهدي) والجنرال محمد هادي حاج رحيمي. وسقط الجميع قتلى جراء غارة جوية إسرائيلية ضد ما جرى تقديمه للعالم بوصفه مبنى قنصلياً في العاصمة السورية. المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الإسرائيليون ضباطاً من «الحرس الثوري»، ومرتزقة لبنانيين وعراقيين وسوريين وباكستانيين وأفغاناً داخل سوريا، بهدف القضاء عليهم.

بدأت هذه العملية عام 2015 وبلغت ذروتها في عام 2020، وكانت المرة الأخيرة التي أعلنت فيها هيئة رسمية تتبع إيران أرقاماً بهذا الخصوص عام 2018، عندما قدّرت مؤسسة «الشهداء والمضحّين بأنفسهم» خسائر إيران بنحو 5000 قتيل. إلا أن الأرقام لم تحدد عدد الضباط أو المرتزقة الإيرانيين. وفي أثناء السنوات الثلاث الأولى من هذه الدورة القاتلة، استخدمت طهران مسألة أكياس الجثث من دمشق أداةً دعائية، ونظّمت مَسيرات حاشدة يوم دفن «أبطال الإسلام» كما يسمّونهم. إلا أنه في وقت لاحق، عندما تفاقمت خسائر طهران، جرى إغفال الجانب الدعائي، وبدأ دفنهم بهدوء.

وبمرور الوقت، ولأسباب منها نفوذ الجنرال الراحل قاسم سليماني، قررت طهران تجرُّع الأمر على مضض، والتفاخر بـ«الانتقام»، لكن دون انتقام على أرض الواقع. ولو أن سليماني كان حياً اليوم، لَبذَلَ قصارى جهده لتجنب التورط في صدام مباشر مع إسرائيل أو القوات الأميركية في المنطقة، بل ربما كان لينشئ قناة اتصال مع الإسرائيليين عبر مراسلاته مع الجنرال ديفيد بتريوس، الذي كان آنذاك القائد الأعلى لـقوات الولايات المتحدة في المنطقة. وتماشياً مع هذا الاتفاق الضمني، نجد أن إسرائيل، من جانبها، لم تعترف رسمياً قط بتنفيذ أكثر من 40 هجوماً على امتداد ست سنوات.

على الجهة المقابلة، ردَّت طهران بالمثل عبر تجنب إلقاء اللوم بشكل مباشر على إسرائيل، وبدلاً عن ذلك، اختارت استخدام تعبير ملطف: «أعداء الثورة الإسلامية». وحتى عندما قتل الإسرائيليون الجنرال حسين همداني، أحد القادة المفضلين لدى المرشد الأعلى خامنئي، قررت طهران عدم تنفيذ تهديدها بـ«الانتقام الشديد». وبالمثل، مرَّ اغتيال ستة من كبار العلماء المتعاونين مع «الحرس الثوري» الإيراني في إيران نفسها من دون عقاب.

تركزت استراتيجية سليماني حول محاربة إسرائيل والولايات المتحدة عبر وكلاء، مع التلويح بإمكانية كبح جماح هؤلاء الوكلاء، كبطاقة في لعبة البوكر القاتلة مع «الشيطان الأكبر» و«الكيان الصهيوني».

والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: هل بلغ توازن الرعب الهش هذا نهايته؟ تُنبئ الإشارات الواردة من طهران بأن ذلك حدث بالفعل. ومن بين أسباب ذلك غياب شخصية تتمتع بالكاريزما والموارد الضخمة التي كان يتمتع بها سليماني، بما يتيح المضي في التسويق لفكرة «اقتل العدو بألف طعنة»، واستخدام المرتزقة دروعاً بشرية. ويتمثل سبب آخر في أن إسرائيل اعترفت هذه المرة بتفاخر بتنفيذ هجوم عقابي ضد إيران.

والأهم من ذلك، ربما تكون هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل مبنى يرفع العلم الرسمي لإيران. في المقابل، فإن جميع الهجمات السابقة كانت ضد قواعد ومبانٍ بها ضباط ومرتزقة إيرانيون بصفتهم «مستشارين» للجيش السوري الرسمي.

في تلك المرات السابقة، كان باستطاعة طهران أن تتظاهر بأن تلك الهجمات كانت ضد الجمهورية السورية التي تقع على عاتقها مسؤولية الرد. أما هذه المرة، فقد وقع الهجوم ضد القنصلية الإيرانية ومقر إقامة السفير المجاور، وكلاهما يرفع عَلَم إيران. جدير بالذكر أنه في القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، يعد الهجوم ضد سفارة أو قنصلية سبباً لإعلان الحرب. وثمة عامل آخر قد يجبر خامنئي على الاستجابة بشكل مختلف هذه المرة، وهو الغضب الحقيقي بين أتباعه، الذين يشعرون بالفعل بعدم الارتياح إزاء رفضه دعم جماعة «حماس» في حرب غزة.

إلى متى يجب أن ننتظر تنفيذ الانتقام الشديد الموعود؟ هكذا تساءل إبراهيم عزيزي، نائب رئيس لجنة الأمن الوطني بمجلس الشورى الإسلامي. فمن جهته، أعلن رئيس المجلس، نظام الدين الموسوي، إرسال بعثة خاصة إلى دمشق لـ«التعرف إلى ما حدث». وأضاف أن «الانتقام مطلب وطني لا يمكن تجاهله». ورددت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إرنا» أصداء هذا الشعور بعنوان «الأمة كلها تطالب بالانتقام». وفي افتتاحية نشرتها الوكالة، الثلاثاء، قالت إن «سفارات وقنصليات العدو الصهيوني في دول عدة أهداف جاهزة للانتقام». وأضافت، على نحو ينذر بالسوء: «يجب استعادة توازن الرعب». وفاجأ كبير المحللين الاستراتيجيين في التلفزيون الرسمي، مهدي خراطيان، المشاهدين بقوله: «إذا لم نحرك ساكناً هذه المرة، علينا الاستعداد لاغتيال كبار المسؤولين داخل طهران».

واللافت أن رسالة «كفى» ترددت في خطب بعض الملالي الأكثر تطرفاً. مثلاً، قال هاشم الحسيني: «إن إيران، بوصفها مركز المقاومة، لا يمكنها أن تُظهر الضعف، خصوصاً أن المقاومة الفلسطينية تمرّغ أنف الصهيونية في التراب». كما قال بور الخاقاني إن إسرائيل هاجمت البعثة الدبلوماسية الإسلامية في دمشق للتمويه على الإذلال الذي تعرضت له على أيدي الفلسطينيين.

وكررت وكالة «إرنا» هذه الفكرة عبر ادعاء أن «نتنياهو فشل في إنجاز أهدافه الثلاثة: تحرير الأسرى الإسرائيليين، وقتل يحيى السنوار ومحمد ضيف، وتدمير أنفاق غزة».

من جهته، اقترح كمال سجادي، المتحدث باسم «حركة أتباع الإمام»، أن «يوم القدس» القادم ربما يكون الوقت المناسب للانتقام. وقال عضو مجلس الشورى المنتخب حديثاً، علي رضا بناهيان، إن إيران يجب أن تحافظ على وجودها العسكري في سوريا، ما يتطلب ضمان سلامة «أبطالنا الإسلاميين».

حقيقة أن خامنئي أمر بعقد جلسة كاملة للمجلس الأعلى للأمن الوطني، الأولى منذ أكثر من عامين، تكشف قلقه إزاء تنامي المعارضة في صفوف المجموعة الأساسية من الناخبين الداعمين له، واعتقاد البعض أن «صبره الاستراتيجي» ليس سوى ذريعة لغياب عزيمته. ومن وجهة نظره، ثمة خطر متفاقم من أن تنظر إليه العناصر المتطرفة داخل معسكره على أنه زعيم يفتقر إلى الحسم، ويلقون باللوم عليه عن «الجرأة» الإسرائيلية.

من ناحيته، صرّح وزير الداخلية الإيراني، الجنرال أحمد الوحيدي: «على إسرائيل أن تتوقع رداً مناسباً»، لكنه أضاف أن «القرار يجب أن يأتي من قائد الثورة»، أي خامنئي. وبالمثل، تعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بـ«الانتقام الساحق»، لكنه أصرّ على ضرورة أن يأتي القرار من خامنئي.

وعليه، يجد المرشد الأعلى نفسه «في موقف دقيق اليوم»، لقد خرقت إسرائيل الاتفاق الضمني الذي سمح لكلا الجانبين بقدرٍ معقول من القدرة على الإنكار بخصوص الهجمات بعضهما ضد بعض. وإذا لم يفعل شيئاً، فإنه ربما يشعل غضب مؤيديه الأساسيين. أما إذا أمر بشن هجمات على أهداف إسرائيلية و-أو يهودية، فلن يتمكن من إنكار تورطه. وهذا، مثلما لمح محلل التلفزيون الإسلامي، يمكن أن يعطي إسرائيل ذريعة لشن هجمات ضد أهداف كبيرة داخل طهران نفسها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وإسرائيل هل انتهت لعبة الإنكار إيران وإسرائيل هل انتهت لعبة الإنكار



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon