توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا والغرب وأوكرانيا

  مصر اليوم -

روسيا والغرب وأوكرانيا

بقلم - أمير طاهري

أيا كانت نتائج الحرب الروسية ضد أوكرانيا، التي دخلت شهرها الرابع الآن، فقد جرت دراستها بالفعل من قبل العديد من المحللين مع التركيز على قضيتين. أولاً، هل ستضع حداً لطموح فلاديمير بوتين في إحاطة روسيا بأنظمة استبدادية أو «ديمقراطيات غير ليبرالية»؟
من بين الدول الخمس عشرة التي ظهرت ككيانات مستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، تمكنت ثلاث دول فقط، هي جمهوريات البلطيق، من بناء ديمقراطيات رأسمالية على النمط الغربي، لتصبح أعضاء كاملة العضوية في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو). ورغم ذلك، فإن الدول الثلاث، التي ضمها ستالين، لم تكن سوفياتية بالكامل.
أتذكر أنه خلال زيارة إلى لاتفيا في أغسطس (آب) 1974، لاحظ «حارسنا الشخصي» من موسكو أن ريغا، عاصمة لاتفيا، كانت «تقريباً مثل أوروبا».
ليس لدى بوتين مشكلة مع بيلاروسيا التي ظلت دولة على النمط السوفياتي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بموسكو. على الرغم من التأملات العرضية المناهضة لموسكو من قبل النخب الحاكمة، يظل النظام السوفياتي أيضا النموذج في كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان.
في القوقاز، حاولت جورجيا فقط «التغريب»، لكنها اضطرت للتراجع في عام 2008، بعد أن غزا بوتين وانتزع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
حاولت أذربيجان، التي تعاني من أزمة هوية، الحفاظ على النظام السوفياتي أثناء إقامة تحالف مع تركيا وإسرائيل مع إقامة «علاقات خاصة» مع الولايات المتحدة لإضفاء قدر من البريق.
حاولت أرمينيا أن تنأى بنفسها عن النموذج السوفياتي، لكنها اضطرت إلى التراجع، عندما أجبرت على استدعاء القوات الروسية لحمايتها من التهديد التركي الأذربيجاني.
في ضوء هذه الخلفية، اكتسب المسار المستقبلي لمصير أوكرانيا أهمية خاصة. فأوكرانيا هي ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بعد روسيا، خرجت من حطام الإمبراطورية السوفياتية. علاوة على ذلك، يبلغ عدد العرق الأوكراني والعرق المختلط الروسي الأوكراني ما يقرب من 2.5 مليون في الاتحاد الروسي. أوكرانيا هي الجمهورية الوحيدة في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي التي لديها القدرة على التنافس مع روسيا، إن لم يكن تحديها فعلياً، في المجالات الثقافية والعلمية والأدبية والدينية، من خلال تقديم نموذج بديل لتلك التي شكلها بوتين و«سلافيوه الجدد».
حتى لو افترضنا أن بوتين أسير لعالمه الخيالي، فلا شك أنه قادر على رؤية أوكرانيا باعتبارها تهديداً وجودياً لاستعادته شروط السياسة والثقافة، وفي الوقت المناسب، هي القوة الاقتصادية التي تغري الروس بالنظر في طريق حياة مختلف.
المسألة الثانية ذات الأهمية فيما يتعلق بالحرب الحالية في أوكرانيا هي أن نتيجتها يمكن أن تحدد ميزان القوى في كامل مساحة اليابسة الأوراسية لجيل آخر على الأقل.
يحذر بعض المحللين الغربيين من أنه حتى شبه هزيمة في أوكرانيا، يمكن أن تدفع روسيا إلى أحضان الصين الشيوعية. أشك في أن مثل هذا الشيء سيحدث. ففي العقلية التاريخية والثقافية الروسية، تظل الصين التهديد الأول. ويجب أيضاً مراعاة حقيقة أن الاقتصاد الروسي ليس في وضع يسمح له بالسعي إلى علاقات أكثر أو أقل توازناً مع الصين.
كما تبدو الصورة الآن، لا يمكن للعلاقة الروسية الصينية إلا أن تفترض هوية استعمارية جديدة مع روسيا كمصدر للمواد الخام، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن ومستورد لرأس المال والسلع المصنعة وحتى المستوطنين. في الوقت الراهن، يعمل ما يقدر بنحو 3.3 مليون مستوطن صيني على تطوير مشاريع زراعية وصناعية خفيفة جديدة، معظمها في سيبيريا والأراضي الحدودية الصينية الروسية.
في الوقت نفسه، تعتبر روسيا صغيرة جداً من حيث القوة الاقتصادية بالنسبة للصين، بحيث لا تخاطر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا واليابان، من أجل إنقاذ بوتين من عواقب حساباته الخاطئة.
حتى في ذلك الحين، إذا تُركت كذئب وحيد، فلا يزال بإمكان روسيا أن تلعب دور المشاغب ليس في أوروبا فحسب، بل أيضا في الشرق الأوسط، ومن خلال المرتزقة، في أفريقيا السوداء.
وقد ظهر مثالان على الاحتمال الأخير بالفعل في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث نجح بوتين في طرد الجيش الفرنسي والأوروبي الآخر، أثناء تولي مرتزقته فاغنر زمام الأمور.
على الرغم من أنها بدأت في تقليص وجودها في سوريا، فمن المرجح أن تظل لاعباً مهماً في تلك المنطقة غير الخاضعة للحكم، من خلال الوكلاء المحليين والمرتزقة الذين جندتهم وتسيطر عليهم الجمهورية الإسلامية في طهران. كما أبرمت روسيا عقدا بقيمة 4 مليارات دولار لبيع أسلحة للعراق وتدريب العراقيين على استخدامها.
يمكن لروسيا، التي تهيمن على رابع أكبر احتياطي للنفط والغاز في العالم، أن تستخدم مزيجاً من التهديدات والرشى للتأثير على الدول الأخرى المصدرة للنفط. نشهد حالياً أحد الأمثلة على ذلك في انتزاع روسيا حصة إيران من سوق النفط في الصين، من خلال تقديم خصم قدره 1.5 دولار للبرميل إلى بكين، مقابل كل دولار تقدمه طهران.
وعلى الرغم من العقوبات الرسمية، لا يمكن الاستهانة بالدور السلبي الذي يمكن أن تلعبه روسيا فيما يسمى سوق النفط والغاز «الرمادية».
يُنظر إلى روسيا على أنها «مقلقة»، كما يشير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لأنها قد تشجع الاتجاه الحالي في الديمقراطيات الغربية نحو تعزيز الجيش، وزيادة ميزانيات الدفاع، وإلغاء الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل في كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
إذا سارعت حتى فنلندا والسويد للانضمام إلى «ناتو»، فكيف يمكن لأي شخص أن يدعو لإصلاح منظمة وصفها دونالد ترمب بأنها «غير ذات صلة»، ووصفها ماكرون بذات «العقل الميت»؟ وهل سيمر وقت طويل قبل أن يتقدم «محايدون» تقليديون آخرون مثل النمسا وآيرلندا أيضاً للحصول على عضوية «ناتو»؟
من المؤكد أن بوتين غير قادر على إشعال حرب ساخنة أكبر، بينما يعلم أنه ليس لديه فرصة للفوز بنسخة جديدة من الحرب الباردة. ولكن، بعد أن تم وضعه في الزاوية، فقد يختار شن حرب «فاترة» من خلال إثارة التوترات في أوروبا، وإشعال الحرائق في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا.
قال الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي إن حرب أوكرانيا ستستمر «حتى تحقيق النصر». لكن أيا منهما لم يقل ما الذي يمكن أن يشكل انتصاراً؟ وذكر بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين أن الهدف هو إضعاف روسيا لدرجة تجعلها عاجزة عن إطلاق تحذير آخر، مثل ذلك الذي أطلقه بوتين ضد أوكرانيا. ولكن حتى لو حدث ذلك، فإن قدرة روسيا على شن حرب «فاترة» منخفضة لن تتلاشى.
كل ذلك يعيدنا إلى السؤال الحقيقي: من العدو، بوتين أم روسيا؟
يمكن أن تحدد الإجابة عن هذا السؤال الاستراتيجية اللازمة لتحقيق نصر حقيقي ودائم، وقد يعني إلغاء كل احتمالات أن تصبح روسيا ذئباً منفرداً أو «مقلقاً».
وهو ما يقودنا إلى ما نصح به الكاتب الفلورنسي قبل 500 عام: «لا تجرح أبداً عدواً مميتاً ودعه يعيش. إما أن تقتله أو تجعله صديقاً».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا والغرب وأوكرانيا روسيا والغرب وأوكرانيا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة

GMT 08:20 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

ترامب وبوتين يتفقان علي إعادة النظام إلى الجنوب

GMT 09:31 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج العقرب

GMT 09:56 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon