توقيت القاهرة المحلي 15:24:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب غزة... لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل

  مصر اليوم -

حرب غزة لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل

بقلم - أمير طاهري

مع دخول الحرب في غزة شهرها الثالث، تنشط متلازمة قصر فترة الانتباه التي أصبحت تميز عصرنا بكامل طاقتها، لتتحول الحرب إلى نسخة من الضجيج الدائر في الخلفية. وربما لاحظتم بالفعل أن الحرب تراجعت عن صدر الصفحات الأولى، وسقطت في عدة خانات في نشرات الأخبار التلفزيونية.

الأمر الأكثر إثارة للاهتمام أننا بدأنا نسمع أحاديث متزايدة حول اليوم التالي لهذا الصراع المأساوي، وذلك بافتراض أن القتال الفعلي على الأرض يتجه نحو خط النهاية، مثلما يوحي الحديث ضمنياً.

أما العناصر المشتبه بها المعتادة فيما يتعلَّق بجهود صناعة السلام في الشرق الأوسط، فقد شرعت بالفعل في إعادة تدوير أفكارها القديمة. على سبيل المثال، يبدو الرئيس الأميركي جو بايدن، أقرب إلى دمية تردد كلام باراك أوباما، في أثناء حديثه عن «حل الدولتين: دولة للإسرائيليين وأخرى للفلسطينيين».

أما مؤتمر التعاون الإسلامي، فتولى تشكيل لجنة متعددة الجنسيات للتوصل إلى «صيغة سلام» مقبولة للجانبين. وفي بعض الحروب، لم يكن أولئك الذين أنهوا القتال باتفاق سلام هم أنفسهم الذين بدأوا الصراع وقادوا القتال بادئ الأمر. كما عاد النهج الدبلوماسي القديم الذي اتبعه هنري كيسنجر إلى مراكز الأبحاث، مع الحديث عن ضرورة اتخاذ إجراءات «خطوة بخطوة» تهدف إلى «بناء الثقة» بين نتنياهو والعقل المدبر، أياً ما كان، وراء هجوم جماعة «حماس» ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

من جهتها، تتمتم الأمم المتحدة، التي أصبحت الآن صورة باهتة مما كانت عليه من قبل، تحت قيادة أمينها العام الذي يبدو أنه فقد بوصلته، بشأن تعيين مبعوث خاص؛ ربما يكون توني بلير، كما اقترحت بعض الأصوات القديمة.

ويدور حديث كذلك، خصوصاً في إسرائيل، عمّا يجب فعله بغزة بعد «حماس». ويتحدث البعض عن إعادة الاستعمار، أي إحياء المستوطنات الإسرائيلية التي فككتها الحكومة الإسرائيلية بوحشية عام 2006. والواقع أن هؤلاء المنخرطين في مثل هذه الأحاديث لا يذكرون أين يمكن أن نجد الأشخاص الراغبين في التحول إلى مستوطنين وسط كومة الركام الذي تحولت إليه غزة. وإذا جرى العثور على مثل هؤلاء المتطوعين المتحمسين، أفلا يشعرون بالقلق من مواجهة نفس المصير الذي فرضه آرييل شارون على المستوطنين الإسرائيليين في غزة؟

وهناك فكرة أخرى تتلخص في تسليم ما تبقى من غزة، عندما تضع الحرب أوزارها، للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس. وقد يمنح ذلك السلطة الفلسطينية القدرة على تحرير نحو 1000 من كوادر حركة «فتح» والمتعاطفين معها الذين سجنتهم «حماس» في غزة. إلا أن التساؤل هنا: هل بإمكان السلطة الفلسطينية أن تقدم لغزة المدمَّرة الحكم الرشيد، في حين فشلت في ذلك داخل الضفة الغربية على امتداد أكثر عن ربع قرن، رغم أن السلام يسودها إلى حد كبير؟ كما نسمع حديثاً عن إعادة غزة إلى السيطرة المصرية، وهي فكرة غبية بكل المقاييس.

وهناك كذلك فريق مفرط في التفاؤل يتحدث بالفعل عن إعادة إعمار غزة. وينسى هؤلاء المتفائلون أنَّ ما حوَّل غزة إلى حفرة من الجحيم، لم تكن الضائقة الاقتصادية. في الواقع، قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، كان معدل البطالة في غزة أقل من نظيره في الضفة الغربية والأردن ومصر. وفي الربعين الأولين من عام 2023 نما اقتصاد غزة بنسبة 4 في المائة، بينما ظل اقتصاد الضفة الغربية ثابتاً تقريباً.

وبفضل التبرعات السخية التي قدمتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والاتحاد الأوروبي وقطر والسلطة الفلسطينية، والدخل المعاد لنحو 100000 من سكان غزة العاملين بالخارج، بينهم 25000 يعملون داخل إسرائيل، والإيرادات الجمركية من الحكومات الإسرائيلية، أصبح دخل الفرد في غزة أعلى من المتوسط لأبناء معظم الدول الأعضاء في الجامعة العربية. ويوجد في غزة 36 مستشفى و1657 سريراً، وهو رقم أعلى من نظيره في مصر والأردن.

وبفضل المساعدات الدولية والتبرعات المقدَّمة من الأثرياء الفلسطينيين في أوروبا والأميركتين، احتلت غزة مرتبة متقدمة على الجمهورية الإسلامية في إيران، من حيث النسبة المخصصة للصحة والتعليم من الناتج المحلي الإجمالي. في الوقت نفسه، لم تكن «حماس» بحاجة إلى تمويل جيشها والأنفاق التي حفرتها، من خلال الضرائب، إذ غطَّت طهران جزءاً كبيراً من التكلفة.

المثير أن الأسباب التقليدية للحرب من تنافس على الأرض، والوصول إلى الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه و-أو الأسواق، لا تنطبق على غزة. في إطار الحروب العادية، يرغب المتحاربون في شيء ملموس يستطيع أيٌّ من الطرفين أن يقبله، عندما تتحول حسابات التكاليف والفوائد لصالح السلام.

إلا أن الحرب في غزة ليست حرباً عادية، فـ«حماس» ترغب في شيء ليس باستطاعة إسرائيل تقديمه، أي وجود «فلسطين من النهر إلى البحر».

في المقابل، ترغب إسرائيل هي الأخرى في أمر يتعذر على «حماس» قبوله: الانتحار الآيديولوجي بقبول السيطرة على غزة، مع نسيان «قضية» محو إسرائيل من على الخريطة. إذا قبلت «حماس» مثل هذه الصفقة، فسوف ينتهي بها الأمر كنسخة أخرى من حركة «فتح». وعليه، فإن محاولة القضاء على مثل الأسباب الوهمية، تعدّ في أفضل الأحوال ممارسة لا جدوى منها.

ومع ذلك، من الممكن أن ننحّي كل هذه الاعتبارات جانباً حتى يتسنى لنا التركيز على تقصير مدة موجة القتل الحالية. من جهتها، من الواضح أن الجمهورية الإسلامية في طهران تريد أن تستمر موجة القتل، وإن كان ذلك في شكل ما يصفها محللو «الحرس الثوري الإسلامي» الآن بأنها «حرب منخفضة الحدة».

مثلاً، كتب أحد محللي «الحرس الثوري الإيراني»، عبر موقع «فارس نيوز» الجديد، الأسبوع الماضي، أن طهران لا تتوقع انتصار «حماس»، لكنها تريد منها «مواصلة القتال لأطول فترة ممكنة، حتى يقتنع مزيد ومزيد من الإسرائيليين أن الخيار الأفضل هو الرحيل».

كما تتعهد طهران بإلقاء مزيد من أصولها الإقليمية، بما في ذلك «حزب الله» اللبناني والحوثيون اليمنيون وجماعات مختلفة في العراق وسوريا، في أتون المعركة، وإن كان ذلك بجرعة صغيرة، حتى لا يجري جرها هي نفسها إلى الحرب.

الفكرة أنه كلما طال أمد القتال، زاد الضرر الذي يَلحق بصورة إسرائيل في الداخل وعلى مستوى العالم أجمع. بمعنى آخر: إذا لم تتمكن من تحقيق النصر في ساحة المعركة، فحاول الفوز في الحرب الدعائية.

أما الرسالة القادمة من «حماس»، فهي أن جزءاً على الأقل من قيادتها مستعد للبقاء في هذه اللعبة القاتلة حتى إطلاق آخر الصواريخ والقذائف التي أمدَّتهم بها طهران. والآن، هل ستحاول إسرائيل تعديل استراتيجيتها لحرب طويلة ومنخفضة الشدة، كتكملة لحرب «المطرقة الكبيرة» الكلاسيكية التي ربما تكون قد حققت أهدافها الأولية بالفعل؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب غزة لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل حرب غزة لن تنتهي حتى تنتهي بالفعل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon