توقيت القاهرة المحلي 15:24:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوكرانيا والعواقب غير المقصودة

  مصر اليوم -

أوكرانيا والعواقب غير المقصودة

بقلم - أمير طاهري

كان بعض مراقبي الشأن الروسي، حتى قبل عام أو نحوه، يعتقدون أن الرئيس فلاديمير بوتين قد ينهي حربه على أوكرانيا بشيء مثل النصر في الوقت المناسب قبل ما يمكن أن تكون الحملة الأخيرة لإعادة انتخابه. ومع ذلك، ومع اقتراب الروس الآن من التوجُّه إلى صناديق الاقتراع، لا يبدو أن النصر مُحقق بأي شكل من الأشكال.

من المرجح، ويكاد يكون من المؤكد، أن يفوز بوتين بولاية جديدة، ويحصل بموجبها على فترة تبلغ 6 سنوات أخرى في الكرملين. وما يبحث عنه كثيرون نسبة الأصوات التي سيحصل عليها؛ إذ حصل بوتين، في انتخابات 2018، على ما يقرب من 78 في المائة من الأصوات. لذا، أي نسبة أقل من ذلك قد تبدو كخسارة مرتبطة بالحرب المتعثرة في أوكرانيا.

قد يبدو هذا أكثر أهمية نظراً لأن خصميه الرئيسيين، نيكولاي خاريتونوف من الحزب الشيوعي مبتور الصلة، وفلاديسلاف دافانوف من حزب الشعب الجديد الصغير، قد ترددا كثيراً في إعلان دعمهما للحرب. وقد لا يحصل الخصمان معاً على أكثر من 15 في المائة من الأصوات، ولكن في حالة انخفاض نسبة الإقبال على الانتخابات، يمكن أن يسلطا معاً الضوء على تراجع الدعم لما يعدّه المزيد والمزيد من الروس «مغامرة مكلفة».

ورغم أن بوتين لا يزال يحظى بشعبية شخصية إلى حد يجعل أي قائد غربي يغار، فإن الحرب تفقد بوضوح دعمها الشعبي. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة، وبعضها مُصدَّق لدى بعض الدوائر الخاضعة لسيطرة الكرملين، إلى أن الحرب لا تتمتع بأكثر من 30 إلى 40 في المائة من التأييد بين الروس. والأكثر إثارة للاهتمام أنه بين 50 و60 في المائة من الروس يعارضون موجة ثانية من الاستدعاء العسكري، وهو أمر يعدّه مخططو الجيش الروسي ضرورياً إذا كانت روسيا تنوي الاستمرار في اللعبة. وربما لهذا السبب قرر بوتين ذكر الحرب في رسالته بمناسبة رأس السنة بشكل مبالغ فيه، عوضاً عن التركيز على كيفية تغلبه على العقوبات الغربية وإعادة روسيا إلى مسار النمو الاقتصادي.

كما كان متوقَّعاً فيما يتعلق بحرب أوكرانيا، فإن قانون العواقب غير المقصودة بات الآن قيد التنفيذ. أشعل بوتين الحرب بأهداف صريحة أو ضمنية. ويأتي على رأس هذه الأهداف نوع من «الوحدة»، إن لم نقل «الضم»، لإعادة أوكرانيا، الابن الضال، إلى ذراعَي روسيا الأم. حتى قارن ديميتري ميدفيديف، المساعد الرئيسي لبوتين، تلك المقامرة بإعادة توحيد ألمانيا.

الآن، ومع ذلك، يتساءل المزيد والمزيد من الروس عما إذا كان مثل هذا التوحيد، إن كان ممكناً، سيكون مرغوباً فيه. إذا تمت إضافة نحو 45 مليون أوكراني إلى أكثر من 140 مليون مواطن في الاتحاد الروسي، ربعهم ليسوا من الروس الأصليين، فسوف يعني ذلك زلزالاً عرقياً وديموغرافياً شديداً. ثم تأتي المشكلة العقيم حول مَن سوف يُموِّل إعادة بناء أوكرانيا المدمرة؛ بالتأكيد ليست روسيا التي تتراقص على حافة الإفلاس.

هدف بوتين الآخر كان تعزيز القومية الروسية بدماء جديدة. لكن العاقبة غير المقصودة، رغم ذلك، أن مليونَي شاب روسي غادروا البلاد، وانضم المئات منهم إلى الأوكرانيين متطوعين. في الأسبوع الماضي، شن بعض هؤلاء المتطوعين هجمات على الأراضي الروسية في بيلغورود. وكان هدف بوتين الآخر إضعاف «حلف شمال الأطلسي (الناتو)»، بل وحتى تشجيع بعض الأعضاء الأقل حماسة على إعادة التفكير في التزامهم بالحلف.

بدلاً من ذلك، عثر «الناتو» على عضوين جديدين، وليسا أي عضوين، لأن فنلندا والسويد بَنَتا جزءاً من هويتهما الوطنية على الحياد. والأسوأ بالنسبة لبوتين أن الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة يُسرع إجراءات الانضمام لما لا يقل عن 4 دول أخرى، على الأقل، من أبرزهم ألبانيا التي نقلت، الأسبوع الماضي، أكبر قاعدة عسكرية لها في كوكوفا، جنوب العاصمة تيرانا، إلى «حلف الناتو».

كما كان بوتين يأمل في إضعاف (إن لم يكن التسبب في إنهاء) الاتحاد الأوروبي، معتقداً أن «الغربيين السمان والكسالى» لن تكون لديهم القدرة على الصمود في حالة نشوب حرب كبرى.

كما أعرب ميدفيديف (أجل... هو مجدداً) عن هذا الخيال عدة مرات، عبر التعبير عن تساؤله: «من دون روسيا كمحرِّر، مَن الذي كان سيزحف نحو برلين للقضاء على هتلر؟».

قبل غزو روسيا لأوكرانيا، كانت آراء الجمهور بجميع الدول الأعضاء في «حلف شمال الأطلسي» تؤيد تقليص الميزانية العسكرية. ومنذ ذلك الحين، رفعت جميعها الإنفاق على الدفاع في بعض الحالات، مثل ألمانيا، بشكل كبير.

لكن في هذا الصدد أيضاً، عمل قانون العواقب غير المقصودة من طريق وضع عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على وتيرة أعلى لعدد من الدول، بما في ذلك مولدوفا وصربيا، حيث كان ينبغي للنزعة السلافية أن تفضل روسيا، ناهيكم بأوكرانيا نفسها.

مثال آخر على قانون العواقب غير المقصودة الذي يتعلق بمغامرة روسيا، حيث تعتمد موسكو بشكل كبير على دعم من الصين، الجارة التي عدّتها روسيا منافساً، إن لم تكن خصماً فعلياً، لمدة تقارب قرنين من الزمان. الاضطرار إلى بيع النفط بسعر منخفض جذاب للصين هو آخر ما كانت روسيا ترغب فيه، لولا أنها اضطرت للقيام بذلك جراء العقوبات الغربية.

يعمل قانون العواقب غير المقصودة أيضاً ضد الحلفاء الغربيين. أرسل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة غير متوقَّعة ومثيرة للجدل عبر اقتراحه بأنه قد يضطر «حلف شمال الأطلسي» إلى وضع قواته على الأرض في أوكرانيا. ونظم مؤتمراً مُبهرجاً، حضرته أيضاً بريطانيا، للتأكيد على وحدة أوروبا، ولكنه انتهى بالكشف عن انقسامات عميقة.

صارت حرب أوكرانيا أيضاً موضوعاً مثيراً للخلاف في السياسات الداخلية، ليس فقط في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وإنما في الولايات المتحدة أيضاً.

يتظاهر المزارعون، في بولندا وإسبانيا وفرنسا، ضد ما يزعمونه من منافسة غير منصفة من منتجات المزارع الأوكرانية، متجاهلين حقيقة أن حكوماتهم تنفق على الدفاع عن أوكرانيا بكثافة أكبر مما يكسبه المزارعون الأوكرانيون من بيع منتجاتهم في الاتحاد الأوروبي. وفي المجر، يستخدم رئيس الوزراء فيكتور أوروبان قضية أوكرانيا لاستغلال الاتحاد الأوروبي بشراسة أكبر.

أما في الولايات المتحدة، بدأت الحرب الروسية - الأوكرانية بالفعل في اتخاذ مظهر المشكلة الرئيسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يدعي المرشح المحتمل من الحزب الجمهوري دونالد ترمب أنه يمكنه إنهاؤها في فترة ما بعد الظهيرة، بينما لا يزال الرئيس جو بايدن يفكر في النصر الذي بات صعب المنال على الدوام.

المدهش في الأمر أن جميع الأطراف المتورطة في هذه المأساة يبدو أنهم غير قادرين على قراءة الأحرف الرونية القديمة حتى عندما تُفسر لهم بوضوح، لا سيما أن الحرب التي تُخاضُ بفتور شديد - وكأنها هواية تُقضى بها أيام العطلة - قد تستمر من دون أن تنتج فائزاً وخاسراً، وهو أمر لا يمكن أبداً أن تنتهي الحروب من دونه.

قد يُعد الارتباك الحالي فرصة للإشارة إلى الفضيلة، كما رأينا في دعوة البابا فرنسيس لأوكرانيا لرفع الراية البيضاء وإنهاء الحرب. ولكن حتى ذلك، تم تفعيل قانون العواقب غير المقصودة مع استطلاعات الرأي التي أظهرت أن الدعوة البابوية قد زادت من عزم الأوكرانيين على المضي قدماً في القتال بشكل لا يمكن التراجع عنه. وفي الوقت نفسه، يستمر الأوكرانيون والروس في الموت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا والعواقب غير المقصودة أوكرانيا والعواقب غير المقصودة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon