بقلم - أمير طاهري
في الأساطير الإيرانية، التي انعكست جزئياً في ملحمة الشاعر الفارسي أبو قاسم الفردوسي «شاهنامه»، فإن النصيحة المقدمة للشباب الذين يتطلعون لأن يصبحوا محاربين عظماء هي عدم الكشف عن استراتيجيتهم مطلقاً وتجنب الحديث المتبجح. فشخصيات مثل: «رستم، وجودارز، وجيف، وبهمن» وغيرهم من أبطال الملحمة الإيرانية لم يُفشوا قط أسرار خطط الحرب ولم يحدث أن تباهى أحدهم بإبادة العدو من على وجه الأرض. ففي الأساطير الإيرانية القديمة، يعد التباهي لعنة تقضي على أشجع المقاتلين وتنتهي حتماً بالهزيمة.
لكن بعد أكثر من أربعة عقود من بدء الثورة الخمينية في توجيه إيران بعيداً عن تراثها القومي، وعلى حد تعبير وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، «اختر العيش بطريقة مختلفة»، فإن هذا الدرس يبدو كأنه قد نُسي.
كانت النصيحة القديمة هي أن «نصف عمل أفضل من مائتي حديث»!
ورغم كل ذلك، فإن الأبطال الطامحين للثورة الإسلامية هم أبطال الثرثرة والمفاخرة لأنهم يتحدثون دوماً عن «سحق أميركا» و«محو إسرائيل من على الخريطة». قد يكون تفاخرهم مصدر تسلية إلى حد ما، وقد يكون أيضاً دلالة على خوفهم من المجهول، وهو ما يذكّرنا بقصيدة الشاعر نصرت رحماني عن رجل يسير في شارع مظلم ليلاً ويصفر ليُطمئن نفسه.
ليس من المستغرب بالطبع ألا يعرف «الأبطال الخمينيون» شيئاً عن نصيحة الأبطال الإيرانيين الملحميين. لكن في بعض الظروف، يمكن أن يشكل التباهي الفارغ تهديداً للأمن القومي الإيراني. وقد تجلى أحد الأمثلة على ذلك الأسبوع الماضي عندما قال قائد القوات البرية العميد كيومارث حيدري، في مؤتمر صحافي إن جيش الجمهورية الإسلامية قد طور جيلاً جديداً من طائرات «درون» أطلق عليه اسم «أراش 2» صُنع خصيصاً لشن «هجمات على تل أبيب وحيفا» في إسرائيل. وأضاف حيدري أن القائد العام للجيش اللواء عبد الرحيم موسوي أمر بنشر هذا الجيل من طائرات «درون» ليكون جاهزاً للإطلاق.
يبلغ مدى الدرون الجديدة 2000 كيلومتر، وهي طويلة المدى بما يكفي لتصل ليس فقط إلى إسرائيل ولكن إلى جميع دول الشرق الأوسط وجزء من شمال أفريقيا. وقد تم اختيار مدى 2000 كيلومتر امتثالاً للوعود التي قطعتها طهران لـ«القوى الكبرى» بعدم تطوير صواريخ أو طائرات من دون طيار بمدى أطول من أقصى نقطتين في الأراضي الإيرانية بين الحدود مع تركيا في الشمال الغربي وباكستان في جنوب شرقي البلاد. وليس من الواضح ما إذا كانت «الدرون» الجديدة قادرة على حمل رؤوس حربية نووية.
من الجدير بالاهتمام أن «الدرون» سُميت تيمناً باسم بطل إيراني أسطوري آخر هو آراش كامانجير (أراش بومان) الذي دخل التاريخ بإطلاق سهم من منطقة «أمول» على بحر قزوين إلى منطقة «مارف» في آسيا الوسطى، ليحدد حدود إيران مع أرض الطورانيين (الطورانية أو البانطورانية هي حركة سياسية قومية ظهرت بين الأتراك العثمانيين أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، هدفت إلى توحيد أبناء العرق التركي الذين ينتمون إلى لغة واحدة وثقافة واحدة).
إن حديث حيدري عن الحرب يستحق الانتباه لعدد من الأسباب.
بادئ ذي بدء، لم يشر الجنرال إلى «المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي، الذي من المفترض أن يكون صانع القرار النهائي في جميع القضايا الرئيسية، وبخاصة الحرب والسلام. لطالما قال خامنئي إنه يودّ أن يرى إسرائيل «تُمحى من الوجود». لكنه لم يقل أبداً إن جمهوريته الإسلامية ستشن حرباً مباشرة لتدمير «الكيان الصهيوني». منذ ما يقرب من 10 سنوات، تنبأ بأن إسرائيل ستختفي في غضون 25 عاماً، لكن خلال تلك الفترة، لم تقم الجمهورية الإسلامية بأي عمل مباشر ضد إسرائيل، بل استخدمت وكلاء لبنانيين وفلسطينيين في حرب بالوكالة منخفضة الحدة.
وطيلة السنوات الست الماضية، كانت إسرائيل تهاجم المواقع الإيرانية في سوريا وتضرب أهدافاً داخل إيران نفسها من دون أن تتلقى رداً. وحسب تقديرات «مؤسسة الشهداء» عام 2020، قُتل نحو 5000 عسكري إيراني ووكلاؤهم اللبنانيون والأفغان والباكستانيون والسوريون في غارات جوية إسرائيلية.
السؤال البسيط الآن: هل تغيرت سياسة «القبول على مضض»؟
هل يجب أن نفترض أن الجيش الإيراني هو الآن في مقعد القيادة في مثل هذه القضايا العالية الخطورة؟ تقليدياً، كان على الجيش في إيران أن يلتزم بقاعدة «الصمت الذهبية». فحتى بعد استيلاء الملالي على السلطة، لوحظ هذا التقليد إلى حد كبير. فرغم أن الجيش ألقى بخطابات تفاخر، فإنه لم يهدد أي دولة بأي مسار عمل محدد.
جاء التهديد بعد 24 ساعة فقط من تحذير ديفيد بارنيا، رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي (الموساد) من أنه إذا هاجم وكلاء طهران الدولة اليهودية، فإن إيران نفسها ستتعرض لرد انتقامي.
وبإعلانه علناً عن التخطيط لهجوم على تل أبيب وحيفا، يمنح حيدري إسرائيل ذريعة للمطالبة بـ«حق الدفاع عن النفس» أو «الحرب الوقائية» حال قررت القيام بعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. لذا، هل يجب أن نفترض أن حيدري ورئيسه موسوي يساعدان رئيس الموساد على دق طبول الحرب؟
تضمنت تصريحات حيدري المتفاخرة جوانب إشكالية أخرى، إذ قال إن طائرة «أراش 2» قادرة على قطع مسافة تقدر بـ1100 كيلومتر بين منصة إطلاق قريبة من الحدود الإيرانية - العراقية وتل أبيب في 90 دقيقة، وهي فترة كافية لشبكة الدفاع الإسرائيلية المضادة للصواريخ «القبة الحديدية» لتدميرها فوق سوريا أو لبنان.
يأتي التباهي غير المسؤول أيضاً في مرحلة حرجة في المفاوضات المشبوهة لإحياء «الصفقة النووية» لأوباما والإشارة إلى النيات السلمية للجمهورية الإسلامية.
هل كتب فصيل من المؤسسة الخمينية سيناريو عرض الدمى لحيدري لعرقلة جهود الرئيس جو بايدن للتراجع عن سياسة سلفه دونالد ترمب تجاه إيران؟ هل الفصيل نفسه لا يدرك حقيقة عدم وجود دعم شعبي إيراني، لا الآن ولا مستقبلاً، لأي حرب على أسس آيديولوجية بحتة؟
أم أن قرع طبول الحرب خدعة لتحويل الانتباه عن إخفاقات النظام الاقتصادية والدبلوماسية والاجتماعية؟
هل يعتقد الجنرالان أنهما يمكنهما إثارة حرب كبرى في الشرق الأوسط من دون أي رد فعلي من الدول الأخرى التي سيتأثر أمنها بحرب إقليمية؟
السؤال الأكثر أهمية هو: ما إذا كانت القيادة الخمينية قد فكرت أم لا في حجم وعواقب الهجوم المباشر على إسرائيل وتفترض أنه لن يكون هناك انتقام عندما تحول «أراش 2» قلب إسرائيل إلى جثة متفحمة؟