توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السؤال الذي يواجه خامنئي

  مصر اليوم -

السؤال الذي يواجه خامنئي

بقلم:أمير طاهري

إنها أيام عصيبة تلك التي يمر بها «المرشد الأعلى» للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، الآن.
للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، يبدو أنه غير قادر على استعمال عصاه السحرية للفرار من المأزق الضيق الذي أوقعته فيه الأحداث والأخطاء التي ارتكبها بنفسه.
لأكثر من ثلاثة عقود، كلما كان حكمه يواجه تحدياً خطيراً، كان تكتيكه هو الدخول في «خلوة» لفترة من الزمن، حتى يسمح للأمور بأن تحل نفسها بنفسها، أو (إن لزم الأمر) السماح للآخرين بمباشرة الأعمال القذرة بعيداً عنه. وعندما أصبح واضحاً أن الأمور لن تحل نفسها بنفسها كالمعتاد، اعتمد التكتيك الذي سمّاه «المرونة البطولية».
نجح، على مر السنين، في الاستعانة بعصاه السحرية أثناء صراع طويل على السلطة مع خصمه وصديقه، آية الله علي أكبر رفسنجاني، وانتهى به الأمر إلى الفوز. وأثناء الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، التي أنتجت ما أُطلق عليه «الحركة الخضراء»، سمح لرجال أمنه بقتل المحتجين، وفرض الإقامة الجبرية على بعض زعماء الاحتجاج، وسحق انتفاضة الطلبة.
في الشؤون الخارجية، سمح لما يُسمى الفصيل «الإصلاحي»، في عهد حجة الإسلام محمد خاتمي أولاً، ثم بقيادة حجة الإسلام حسن روحاني، بقبول كل إذلال للوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وخداع الأوروبيين، لحملهم على اعتبار إيران دولة طبيعية، في حين همس بمعارضته للاتفاق الذي أُبرم. فإذا سارت الأمور على ما يرام، فسوف يُنسب إليه الفضل؛ وإلا فسوف يلوم الآخرين لا محالة.
طوال هذه الفترة، لعب خامنئي دور صانع القرار الأعظم، والمنتقد الأكبر للنظام الذي كان يترأسه. وكثيراً ما كان يتساءل عن «المشاكل التي تعاني منها أمتنا الإسلامية البطلة»، ويلقي باللوم على مسؤولين «مجهولين» عن تزايد الإخفاقات في جميع المجالات.
كان النموذج الماثل أمامه كيم إل سونغ زعيم، كوريا الشمالية الذي أُعجب به أثناء زيارة رسمية يبدو أنها أعادت تشكيل رؤيته للعالم.
في مذكراته، يروي آية الله ناطق نوري، الذي رافق خامنئي أثناء زيارة رسمية إلى بيونغ يانغ، كيف أن «المرشد الأعلى المستقبلي قد تعلق قلبه شغفاً (بالقائد الكوري الشمالي العظيم)».
كانت الزيارة إلى بيونغ يانغ بمثابة لحظة التحول الخطيرة في مسيرة خامنئي السياسية. وكان الدرس الذي تلقاه بسيطاً: دع الآخرين يعبدوك ويقدسوك؛ فإذا تمخضت الحياة عن سيئ الأمور، فلا تلم إلا أولئك الذين يعبدونك. وإذا كنتَ في موقف ضعف، فالعب دور «التافه النَكِرَة»، أو العب دور «القروي الأحمق»، ثم انتظر حتى يتحول المد لصالحك.
على مدى عقود، أُلقي بكل شخصية دينية و/ أو سياسية بارزة داخل إيران في بركة من الوحل، أو تعرضت للتشهير، أو قبعت قيد الإقامة الجبرية، أو أُرسلت إلى السجن، أو أُسكتت رغماً عنها، أو أُرغمت على النفي.
أثناء الانتفاضة ضد الشاه، شكّل آية الله الخميني «مجلس الثورة الإسلامية» المؤلف من 14 رجلاً، بمثابة الحكومة المؤقتة، إضافة إلى السلطة التشريعية.
تعرض أربعة منهم للاغتيال، وأعدم آخر بأوامر مباشرة من الخميني. وفر اثنان منهم إلى المنفى، بينما قضى اثنان آخران زمناً في السجن. وتوفي أحدهم في «ظروف مريبة». كما خدم ثلاثة آخرون لفترة وجيزة في المنصب، لكنهم سرعان ما اندثروا في غياهب النسيان. واحد منهم فقط هو الذي بقي واستمر وظل موجوداً، تخيلوا مَن يكون؟ إنه خامنئي!
أما اليوم، بينما تستمر الانتفاضة الشعبية من أجل الحرية، ولو بحد أدنى مما كانت عليه الأمور عندما بدأت أولاً قبل أربعة أشهر، يجد «المرشد الأعلى» أنه من الصعب تكرار استعمال عصاه السحرية المفضلة.
وبينما ظل في «الخلوة» لأسابيع، حاولت حاشيته تجربة كل حيلة تعرفها؛ من طباعة المال، إلى رشوة رجال الأمن، والجيش، والخدمة المدنية، إلى نقل ملكية الشركات العامة والمصارف إلى النخبة الثرية، مروراً بعملية تطهير هادئة لـ«الحرس الثوري»، وتغيير بعض حكام المحافظات. سقط أكثر من 500 متظاهر صريعاً في الشوارع، وأُعدم العديد من المحكومين الآخرين في المحاكم الصورية؛ إذ جرت محاكمتهم أيضاً كجزء من القمع الدائر في جميع أنحاء البلاد، الذي أسفر عن اعتقال 18 ألف مواطن.
رغم ذلك، عندما أجبر خامنئي على دخول قلب الأحداث في الأسبوع الماضي، كان من الواضح أن تكتيكاته المعتادة لم تُفلح. ويبدو أن الهوة التي نشأت بين النظام وجانب كبير من الشعب الإيراني قد بلغت من الاتساع حداً يتعذر جبره.
الأسوأ من ذلك، بدا أن معظم الشخصيات الرئيسية في قاعدة دعم النظام داخل رجال الدين، والأجهزة الأمنية العسكرية، والنخبة الأكاديمية والثقافية الإسلامية، إما يتحوطون لرهاناتهم، أو يعربون عن بعض التعاطف إزاء المحتجين.
في الأثناء ذاتها، تدعو أقلية صاخبة داخل النظام إلى إنهاء ما يُطلقون عليه حالة «الصبر الاستراتيجي»، من خلال «ذبح العدو» في الشوارع، والمزيد من الاعتقالات، وإغلاق مضيق هرمز، وشن الهجمات على الدول العربية المجاورة، وضرب القواعد الأميركية في المنطقة، وقطع سبل الوصول إلى الفضاء الإلكتروني، بل هناك تهديدات أخرى باتخاذ «إجراءات» ضد رموز المعارضة المنفيين، والساسة الغربيين غير الودودين.
أما بالنسبة لخامنئي اليوم، صار «أن يقتل أو لا يقتل» هو السؤال المهم. وفي وقت كتابة هذا المقال، بدا أنه لا يزال يحاول تلمس سبيله للفرار من الأزمة عبر التأرجح ما بين القرارين؛ فقد وصف النساء اللاتي رفضن ارتداء «الحجاب» الإلزامي بأنهن «بناتنا»، وينبغي عدم التعرض لهن وإدانتهن، غير أنه أمر، في الوقت نفسه، بمزيد من الاعتقالات، وربما بمزيد من جرائم القتل الرسمية، المتنكرة في هيئة «أحكام الإعدام».
المأساة أنه لا يوجد ضمان أن أي خيار يختاره سوف يُعيد الأمة من حافة الهاوية. لقد دمر النظام جميع الشخصيات و/ أو الأجهزة الفعلية أو المحتملة التي يمكن أن تتفاعل مع المجتمع الإيراني بأسره.
قد لا ترغب قاعدة دعم النظام في اللجوء إلى خيار حمّام الدم، تحت راية خامنئي، الذي قد لا يكون موجوداً لتوزيع الغنائم.
في الوقت نفسه، قد يرغب منافسوه داخل النظام في تحويله إلى كبش فداء عن كل إخفاقات (ناهيكم بجرائم) النظام الخميني، واستعادة العذرية السياسية، على أمل الحصول على قطعة من الكعكة وقتما تسنى خبزها وتقديمها.
على غرار نموذجه المفضل (كيم إل سونغ)، حاول خامنئي دوماً أن ينتهي به الأمر على الجانب الفائز، وقد نجح حتى الآن. ففي خطاب ألقاه قبل عدة أعوام، شبّه خامنئي نفسه ضمناً بالفأر الشهير في أفلام «توم وجيري» الكرتونية، حيث يتفوق الفأر الصغير الرشيق دوماً على القط الكبير الذي يحاول الإمساك به.
إذن، ما الذي سيحدث؟
يبدو المشهد السياسي اليوم متخماً بكل الاحتمالات، ما يجعل تلمس سبل اليقين فيه أمراً عسيراً للغاية. ومع ذلك، فالاحتمال الأقوى اليوم أن النظام الخميني قد يكون على طريقه صوب خزانة العجائب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السؤال الذي يواجه خامنئي السؤال الذي يواجه خامنئي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة

GMT 08:20 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

ترامب وبوتين يتفقان علي إعادة النظام إلى الجنوب

GMT 09:31 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج العقرب

GMT 09:56 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon