توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سقراط الإسلام أم مخادع؟

  مصر اليوم -

سقراط الإسلام أم مخادع

بقلم:أمير طاهري

هل وقعت الجمهورية الإسلامية في إيران في فخ نصبه مخادع يتنكر بزي فيلسوف؟ كتاب جديد نُشر في طهران وأشاد به المسؤولون باعتباره «أطروحة فلسفية كبرى» قد يوحي بـ«نعم» كإجابة.
يجري الترويج لكتاب الأكاديمي الإسلامي جلال سبحاني، بعنوان «من يوم ما قبل أمس إلى يوم بعد غد»، بوصفه رحلة في الأفكار السياسية لأحمد فرديد، المتوفى عام 1994 عن 85 عاماً.
وأثبت فرديد أنه فيلسوف البيت الحاكم لآيات الله عبر سلسلة من العروض التلفزيونية والمحاضرات في الثمانينات حول ما سماها «الاستعدادات لعودة الإمام المنتظر» في «نهاية الزمان».
وبوصفه فيلسوفاً أليفاً لدى النظام الخميني، جرت الإشادة بفرديد بوصفه «سقراط الإسلام»، رغم أن تشابهه الوحيد مع الفيلسوف اليوناني يكمن في رفضه وضع أفكاره على الورق.
من جانبي، تعرفت على فرديد أوائل السبعينات قبل أن يستولى الملالي على السلطة عندما شاركنا في سلسلة من المناظرات المتلفزة في طهران. وكان يتمتع بحس فكاهي حاد وعدّ الحياة سلسلة من الألعاب، إن لم تكن مقالب كوميدية، ولذلك فإنه لا ينبغي أخذها على محمل الجد.
استهزأ فرديد بالملالي وعدّ الدين محاولة لفرض سياج حول الخيال والإبداع البشريين. عام 1979، عشية استيلاء الملالي على السلطة، كان كل من عرفه يصفه بأنه مفكر مناهض لرجال الدين، إن لم يكن مفكراً معادياً للدين صراحةً.
بدعوى أنه كان في محادثة مع مارتن هايدغر، الفيلسوف الألماني المنتمي لحقبة فايمار والنازية، كان أحد الموضوعات التي عزف عليها، البحث عن «قائد قوي» لمنح المجتمع العمود الفقري الأخلاقي الذي يحتاج إليه. ومن دون أن يذكر مَن كان يقصده بـ«القائد القوي»، افترضت المؤسسة في طهران أنه يقصد الشاه. وربما كان هذا من بين الأسباب التي جعلته أحد الفلاسفة المفضلين للإمبراطورة فرح داخل «الجمعية الملكية للفلاسفة».
في الوقت ذاته، حذر فرديد من القيم الديمقراطية الليبرالية وصاغ مصطلح «التسمم الغربي» الذي أصبح رمزاً لمن يعتزون بمفاهيم القهوة السريعة.
بيد أن المشكلة كانت دوماً أنه لم يكن بإمكان أحد أن يعرف قط متى يكون فرديد جاداً ومتى يخادع الآخرين. ورغم مرور عقدين على وفاته، لا تزال هذه المشكلة قائمة حتى يومنا هذا.
جدير بالذكر أن تلاميذ فرديد، ومن بينهم رضا الداوري الأردكاني ومحمد تقي مصباح اليزدي، صوّروه بوصفه صاحب رؤية تنبأ فيها باندلاع الثورة الإسلامية بوصفها بداية جديدة للبشرية.
وفي كتابه الجديد، يذهب سبحاني إلى أبعد من ذلك من خلال تصويره فرديد على أنه داعية لأغرب أوهام النظام الخميني. وحسب سبحاني، فإن الراحل يعد بمثابة «سقراط الإسلام»، مشيراً إلى أنه قسّم التاريخ البشري إلى خمسة عهود: أول من أمس وأمس واليوم وغداً وبعد غد.
ووفقاً لهذه القراءة، فإن الخلق بأكمله كان مقدمة لعودة الإمام المنتظر (المهدي) التي ستحدث في فترة «بعد الغد» في نهاية الزمان. أما الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني بمثابة بداية مرحلة يجري خلالها «إخراج» الشيطان من طريق الإنسانية وتأسيس ولاية الفقيه.
وبعد ذلك، يطلق «ولي الفقيه» قطاراً يتجه نحو المحطة الأخيرة، حيث يصعد إليه الإمام المنتظر. في الطريق إلى تلك الوجهة، تستقل أمة تلو الأخرى القطار حتى تصعد البشرية بأكملها.
ويتبلور هذا «المصير الواضح» في الوقت الذي يتولى فيه آية الله علي خامنئي «إمام العصر»، قيادة القطار.
وذكر أحد النقاد أن الكثير من «المؤمنين الحقيقيين» رأوا صورة «الإمام» السابق، آية الله الخميني، في اكتمال القمر قبل أسابيع قليلة من عودته من المنفى في فرنسا. اليوم، يؤكد هذا الناقد أن أولئك الراغبين في رؤية وجه خامنئي يجب أن ينظروا إلى الشمس حيث «تتألق صورته بقوة أكبر كل يوم».
وحسب سبحاني، رأى فرديد أن «الديمقراطية الليبرالية» العدو الأكثر شراسة لمشروع تحقيق «المصير الإسلامي للبشرية». وعليه، يجب على الجمهورية الإسلامية أن تواجه القوى الغربية بحزم، وأن تحرص على أن يكون «إصبعها على الزناد». ويهدف هذا إلى تبرير التقارب المتزايد بين الجمهورية الإسلامية وروسيا والصين الشيوعية، والتي رغم قمع مواطنيها المسلمين، فإنها تعوض عن هذا الخطأ من خلال محاربة الغرب وديمقراطيته الليبرالية.
من جانبي، وبعد أن تحدثت مع فرديد في مناسبات كثيرة، تولَّد داخلي شعور، إن لم تكن قناعة حقيقية، بأنه قرر أداء واحدة من مزحاته الشيطانية على الملالي.
جدير بالذكر هنا أنه قبل استيلاء الملالي على السلطة، كان فرديد راضياً عن وصفه بـ«الأستاذ» أحمد فرديد، الرجل العصري الذي يتباهى بمعرفته الموسوعية بعلم الخمور. وخلال الشهور الـ13 التي شهدت الاضطرابات التي انتهت باستيلاء الخميني على السلطة، عندما اعتقد الكثيرون أن آية الله قد يتحول إلى حصان طروادة بالنسبة للماركسيين اللينينيين، شجع فرديد تلاميذه على مناداته بلقب «دكتور». وبمجرد أن انتصر الملالي وبدأوا في قتل اللينينيين، تذكر فرديد أنه من نسل الإمام علي، وبالتالي أحد أهل البيت وبدأ يوقِّع باسم «السيد أحمد».
وإحقاقاً للحق، لم يهرول فرديد خلف منصب أو مال، وعاش في شقة صغيرة مستأجرة يملكها أحد مراسلينا علي أكبر خيراخة. كما أنه لم ينغمس في «الهوس الشرقي»، المتمثل في السعي لكسب حظوة مع السيدات. الحقيقة أنه عاش حياة، مع أنها لم تكن متقشفة، فإنه لم يكن لها أي علاقة بمكانته كشخصية مشهورة في فترة ما قبل الثورة في إيران.
وبعد مرور نصف قرن، قد يرى المرء في فرديد شخصاً وُلد مخادعاً كان ينظر إلى الحياة بوصفها مزيجاً من ضرورات جميلة، لكن دونما معنى، وأخرى بائسة تتجاوز حدود إدراكنا. وكانت فلسفته: إذا كانت الحياة لعبة، فلماذا لا نلعب بها؟ أما الفلسفة، فكانت المجال الأمثل أمامه لفعل ذلك.
اليوم، يذكّرني فرديد بآرييل، الجنّي المخلوق من الهواء وخادم بروسبيرو في مسرحية «العاصفة» لشكسبير. كان آرييل سيد المقالب والأفعال السحرية والمزحات العملية التي لا تستثني أحداً. أما الهدف السري لآرييل، فكان نيل التحرر المطلق من جميع القواعد والعقائد والأنظمة. وثمة شعور لديَّ بأن فرديد سخر من الشاه وآية الله واستمتع بكل لحظة في الخفاء.
والتساؤل هنا: هل كان فرديد آرييل إسلامياً أم سقراط إسلامياً؟
الحقيقة أن فرديد نفسه كان ليضحك من هذا السؤال، لكن ماذا كان ليقول لو أننا أطلقنا عليه أرخيلوخوس الإسلامي، نسبةً إلى الشاعر الساخر اليوناني الأول؟ حتى في هذه الحالة، كان فرديد ليسخر منا نحن أيضاً، مثلما سبق أن فعل مع الإمبراطورة والإمام و«المرشد الأعلى».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقراط الإسلام أم مخادع سقراط الإسلام أم مخادع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon