بقلم:أمير طاهري
مع دخول الاحتجاجات الشعبية، أو الانتفاضة الثورية، حسب وصف بعض المحللين في إيران، شهرها الثالث، يبدو أن الدولة المضطربة تسير في طريق مسدودة لم تعد فيها الزمرة الحاكمة قادرة على تهدئة الوضع ولا على سحق الانتفاضة كما فعلت في مرات سابقة.
فوجئ العديد من معارضي النظام أنفسهم بما بدا اندفاعاً عفوياً لحالة الزخم السياسي ضد نظام محتضر بعد فشلهم داخل إيران وخارجها حتى الآن في توجيه هذه الطاقة نحو تغيير النظام.
وهكذا يبحث النظام وخصومه على حد سواء عن حل من السماء يضع حداً لجميع مشاكلهم ومعاناتهم بضربة واحدة. بعبارة أخرى، يسعون بقوة إلى إيجاد حل يعيد الملالي إلى ساحات المساجد وداخل جدران مدارسهم الدينية، ويقنع الشباب الثائر بالعودة إلى الجامعات والكليات والمدارس الابتدائية والأطفال إلى رياض الأطفال.
لكن من أين تأتي هذه الحلول؟
أولئك الذين يأملون في إنقاذ النظام الخميني والذين ما زالوا يشعرون بالحنين إلى الثورة على الشاه، التي قامت قبل خمسة عقود، يبحثون عن المنقذ في فيلق «الحرس الثوري» الإيراني. الأسبوع الماضي، وافق أكثر من ثلثي أعضاء «المجلس الإسلامي»، البرلمان المبتذل المؤلف من 290 مقعداً، على دعوة «الحرس الثوري» الإيراني إلى التدخل وحشد كامل قوته «لتطهير البلاد» من العناصر المناهضة للنظام.
وعلى الجانب الآخر، نشرت مجموعات معارضة تعيش في المنفى رسائل مفتوحة إلى قادة «الحرس الثوري» تدعوهم إلى القيام بانقلاب و«طرد الملالي من السلطة».
على الطرف الآخر من الطيف، تأمل الشخصيات والجماعات القومية و«الديمقراطية» في أن يأتي الحل السحري من الجيش الوطني النظامي. لكن كلا الطموحين يواجه عدداً من العقبات: أولئك الذين يريدون أن يلعب قائد «الحرس الثوري» الإيراني دور بونابرت يتجاهلون حقيقة أن «الحرس الثوري» هو علامة أو شعار أو امتياز أكثر من كونه جيشاً ثورياً مثل ذلك الذي قاده نابليون الذي حقق العديد من الانتصارات المذهلة. على عكس الجيوش «الثورية» في الصين في مرحلة ما قبل الشيوعية، أو الجزائر ما قبل الاستقلال، أو «الفيتكونغ» و«باثيت لاو» في الهند الصينية، فقد جرى إنشاء «الحرس الثوري» الإيراني بعد انتصار الثورة الخمينية لتكليفه مهمة واضحة تتمثل في قمع المعارضة بدلاً من محاربة الأعداء المسلحين الأجانب.
ونظراً لأنها مقسمة إلى أكثر من عشرة كيانات جرى تصميمها للاستخدام في مجموعة واسعة من الأنشطة، مثل التجسس الأمني، وعمليات السوق السوداء، والمشاريع التجارية، وغسل الأموال، و«تصدير الثورة»، فإنها لم تكن قادرة على تطوير ثقافة متماسكة، ناهيك عن روح الجماعة.
علاوة على ذلك، فإن أولئك الذين يحملون شعار «الحرس الثوري» الإيراني هم بالفعل في السلطة تحت عباءات مختلفة. فهم لديهم أكثر من 100 مقعد في «المجلس الإسلامي»، أكثر من الملالي وشغلوا غالبية المناصب الأخرى مثل حكام المقاطعات، والدبلوماسيين، وأكثر المناصب المربحة كرؤساء لشركات القطاع العام الضخمة. قائد «الحرس الثوري» الإيراني، اللواء حسن سلامي، عضو في المجالس التنفيذية لنحو 30 كياناً.
بعبارة أخرى، تمتلك إيران بالفعل نظاماً عسكرياً أمنياً يستخدم خطاباً دينياً كاذباً كغطاء لمساع دنيوية ووحشية للسلطة والثروة.
إذا كان الملالي قد أنشأوا «الحرس الثوري» الإيراني لحماية سلطتهم وامتيازاتهم، فقد أنشأ «الحرس الثوري» الإيراني، بدوره قوات «الباسيج» وعشرات من أدوات القمع الأخرى لحماية سلطته وثروته.
أولئك الذين يصفون النظام الحالي في إيران بأنه ثيوقراطي هم، في الواقع، ضحايا خطأ بصري بفشلهم في ملاحظة الغطاء العسكري تحت العمامة.
أعلم أن هذا قد يبدو غريباً، لكن قد يرى المرء أن «الحرس الثوري» المفترض أن يكون حارساً للثورة بات سبباً رئيسياً لفقدانها الشرعية وسقوطها في نهاية المطاف؛ فـ«الحرس الثوري» الإيراني لن ينقذ إيران من كابوس الخميني لأنه كان ولا يزال الأداة الرئيسية التي تدفعنا إلى ذلك الكابوس.
إذن، هل يمكن للجيش النظامي أن ينتج بونابرت الذي يسعى إليه الكثيرون؟ جوابي هو لا. لم تطور السياسة الإيرانية بعد ثقافة الانقلابات العسكرية.
ما تسبب في بعض الالتباس كان الوصف الخاطئ للأحداث التي أدت إلى ظهور رضا شاه الكبير كمهندس لإيران جديدة جرى وصفها على أنها انقلاب. في عام 1921، قامت مجموعة من النشطاء السياسيين بدعم من عدد صغير من القوات بقيادة رضا خان بمسيرة إلى طهران و«أقنعوا» الملك آنذاك أحمد شاه بتعيين أحد قادتهم رئيساً للوزراء.
لم يطرأ أي تغيير على الدستور وظل أحمد شاه رئيساً للدولة والقائد العام للقوات المسلحة إلى أن قرر هو نفسه أن الحياة المريحة على شواطئ الريفييرا الفرنسية أكثر إمتاعاً من الجلوس على عرش الطاووس في طهران. شغل رضا خان منصب وزير الحرب، ورئيس الوزراء، وأخيراً أميراً مؤقتاً، حتى قررت جمعية تأسيسية منتخبة الحفاظ على النظام الملكي الدستوري وتنصيبه ملكاً.
يردد بعض المتظاهرين الشباب شعار «رضا شاه، بوركت روحك» في إشارة إلى أملهم في أن يعيد التاريخ نفسه من خلال إنتاج «منقذ» مشابه، في الوقت الذي تحاول فيه إيران التخلص من نظام استبدادي آخر.
ما يتجاهله المتظاهرون هو أن رضا شاه كان تجسيداً ومنفذاً لأهداف الثورة الدستورية وليس مهندساً لهم. وبدعم من جيل من السياسيين والمثقفين ورجال الدين وتجار البازارات وضباط الجيش، تمكن رضا شاه من التفاوض على شق طريق مهمة في تاريخ إيران ووضع أسس دولة قومية حديثة. ولذلك لم يكن رضا شاه صنيعة الجيش الإيراني بل هو من صنعه.
اليوم، كما كان الحال في عام 1921، يعد الجيش الإيراني، حتى على افتراض أنه لم يتحول إلى شبح ذاتي في ظل النظام الخميني، شخصية تبحث عن مؤلف أكثر من كونه مؤلفاً قادراً على إنتاج رضا شاه جديد.
أياً كانت الطريقة التي تنظر بها إلى الأمور، فإن النظام الحالي لم يعد يعكس هوية إيران كدولة شابة تطمح إلى بناء حياة طبيعية واكتساب وجود في العالم الحديث، وهو أمر لا تستطيع العمامة ولا قبعة عسكرية توفيره.
إيران لا تحتاج إلى انقلاب عسكري لاستبدال شكل من أشكال الاستبداد بشكل آخر. ما تحتاج إليه هو إجماع وطني لاستعادة نظامنا الدستوري وتطلعاته التي أنتجت رضا شاه في سياق السيادة الوطنية وسيادة القانون.
بعبارة أخرى، توقف عن البحث عن المنقذ وابدأ في النظر إلى المسار الذي اختاره أولئك الذين يسيرون نحو مستقبل أفضل لإيران.