توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب بوتين: المرحلة التالية

  مصر اليوم -

حرب بوتين المرحلة التالية

بقلم - أمير طاهري

مع اقترابها من شهرها الثاني، شأن غيرها من الحروب في تاريخ العالم، فإن الحرب في أوكرانيا يبدو كأنها قد وجدت الإيقاع الذي يحدد سرعتها، على الأقل لبعض الوقت.
الشيء الوحيد الذي تشترك فيه جميع الحروب، هو أنها بعد فترة الصدمة والرعب الأولى، فإن الحرب يجري التعامل معها باعتبارها جزءاً من الصورة الأوسع للحياة. ونظراً لاختلاف الحروب بشكل كبير من حيث أمدها، فمن الصعب معرفة متى يبدأ تطبيق تلك القاعدة، نظراً لأن حرب الثلاثين عاماً، وحروب المائة عام في أوروبا، لم تصبح جزءاً من الصورة الأوسع للوجود الأوروبي بالإيقاع نفسه.
القاسم المشترك بين جميع الحروب هو أنه بمجرد وصولها إلى سرعة الانطلاق، فإنها تعود إلى ما كانت عليه في الأصل: شكل من أشكال الاتصال أو - في الواقع - استمرار السياسة بوسائل أخرى. عندما يصبح القتال الفعلي جزءاً من واقع متعدد الأوجه، فإن البحث عن طريقة لإنهاء الحرب يبدأ يلوح في الأفق باعتباره القضية المركزية. فالحروب تهدف إلى استبدال واقع جديد يقبله الجانبان، الفائز والخاسر، بالوضع الراهن الذي يعتبره أحد الخصوم أو كلاهما غير مرغوب فيه.
بمعنى آخر، بدأت حرب أوكرانيا في عام 2014 بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وإثارة الانفصال في دونيتسك ولوغانسك. ويُظهر التصعيد الأخير في القتال أن فلاديمير بوتين الذي بدأ الحرب، والسلطات المتعاقبة في كييف، فشلوا في معالجة القضايا السياسية الجوهرية التي تسببت في نشوب الصراع.
بعد الاجتياح الذي جرى الشهر الماضي، دخل الصراع في دائرة أوسع من القوى المشاركة، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، من بينها الاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو). بالإضافة إلى ذلك، فإن جميع أعضاء الأمم المتحدة تقريباً يشاركون أيضاً - بطريقة أو بأخرى - بالانحياز إلى أحد الأطراف.
تبني الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) حتى الآن، خياراً يرقى إلى رد فعل مفاجئ، يوحي بأنهم يفعلون شيئاً ما دون أن يقرروا ما يواجهونه بالفعل.
إن مشكلة أوكرانيا - إذا كان يمكن لنا أن نصفها على هذا النحو - هي مشكلة توأم شرير. يتعلق جزء من أوكرانيا بما يجب فعله حيال بوتين وقراءته (الخاطئة) للعالم. الجزء الآخر يتعلق بروسيا، والتحدي المتمثل في إيجاد مكانها المناسب في نظام عالمي باتت جزءاً منه بمزيج متناقض من الإحجام والإغراء.
بغض النظر عما يحدث في هذه الحرب، فإن الفترة الزمنية التاريخية لبوتين ستكون أقصر من روسيا كدولة قومية. ورغم ذلك، يبدو أن كلاً من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يساوي بين روسيا - وهي حقيقة ثابتة - وبين بوتين، وهو ظاهرة يمكن انتظارها.
ما يبدو أن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تجاهله، هو أن بوتين - على الرغم من أنه لا يزال يتمتع بشعبية - لا يمثل الواقع الطويل الأمد المتطور، وهو روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي. لست متأكداً حتى من أن 300 أو نحو ذلك من «الأوليغارشية» الذين يمثلون قاعدة دعم بوتين، سيكونون مستعدين لمتابعته على طول الطريق، حال شعروا بأنه في الجانب الخاسر.
إن مصادرة أصول الأوليغارشي هي استنساخ للأخبار السارة؛ لكني أشك في أن ذلك سيبعد بوتين عن مساره وخططه. على أي حال، إذا كانت أصول الأوليغارشية نتجت عن الفساد - إن لم تكن السرقة الفعلية - فلماذا رحبت الديمقراطيات الغربية بها، باعتبارها «استثماراً» مشروعاً؟ وإذا كانت شرعية في البداية، فلماذا تجري مصادرتها عندما يستبعد النظام القانوني الغربي الجرم بالتبعية؟
يمكن للعقوبات التي تلحق بقطاعات واسعة من الشعب الروسي أن تأتي بنتائج عكسية على حد سواء. يعمل ملايين الروس في جزء من الاقتصاد جرى دمجه في النظام العالمي. وتدَّعي الشركات الفرنسية أنها خلقت أكثر من مليون وظيفة روسية مباشرة أو غير مباشرة. تعيش أعداد كبيرة من الروس في دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا، وتضم فرنسا أكثر من 40 ألف مقيم دائم في روسيا، وقبل الحرب كانت تستضيف أكثر من مليون سائح روسي كل عام. ووفقاً لتقديرات الاتحاد الأوروبي، فإن أكثر من 250 ألف روسي لديهم حسابات شخصية في البنوك الغربية.
خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، غادر آلاف الروس - من بينهم رجال أعمال وأكاديميون ومثقفون - بلادهم، بينما اندلعت احتجاجات مناهضة للحرب في عشرات البلدات والمدن في أنحاء الاتحاد.
من الأجدى أن يحاول كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي فصل العلاقة بين بوتين والشعب الروسي، من خلال المعلومات والدبلوماسية العامة والعقوبات الموجهة بعناية. ومن المهم أن نُظهر أن الديمقراطيات الغربية لا تسعى إلى استبعاد روسيا من مكانها الصحيح في مجموعة الدول، وأن السياسة الروسية هي التي تقودها إلى وضع المنبوذ عالمياً.
على الرغم من الانفعالات العرضية للعائلة السلافية، لطالما كان الشعب الروسي يتطلع إلى مكان مناسب كدولة أوروبية. ويعطي المسار الحالي الذي يتخذه حلف «ناتو» والاتحاد الأوروبي انطباعاً خاطئاً، بأن الخيار الذي يواجه الروس هو بين تأكيد سلطتهم بالقوة كما يريد بوتين، وحرمانهم من الحصول على مقعد حول الطاولة من قبل القوى الغربية.
تحتاج الديمقراطيات الغربية أيضاً إلى تعزيز الحوار مع تلك الدول التي تميل إلى استخدام أفكار الرئيس بوتين لخدمة خلافاتها العالقة مع الغرب.
إن محاولة الصين للتحوط من رهاناتها لأمر قصير النظر، ويمكن أن ينتهي بها المطاف إلى إضافة مزيد من التعقيد إلى شبكة متشابكة بالفعل. هناك أيضاً حاجة ملحة لدبلوماسية نشطة مع الهند والبرازيل وعشرات من «الدول النامية» في أفريقيا وآسيا التي تشعر بالشماتة حيال «القوى العظمى» التي تتعامل بعضها مع بعض.
والأهم من ذلك، أنه حتى لو حطم بوتين كل جسوره، فيجب على الديمقراطيات الغربية أن تكون مستعدة لبناء جسر، حال أدرك أنه لا يستطيع المضي قدماً.
قد يكون من الصعب مقاومة إغراء ترك بوتين يحفر لنفسه حفرة أعمق؛ لكن الهدف هو إنهاء هذه الحرب العبثية، وليس توجيه الإساءة إلى بوتين.
ناهيك عن الصين، يمكن أن تساعد ست دول أخرى على الأقل في تعزيز الحوار بين كييف وموسكو، كخطوة أولى للابتعاد عن مأساة أكبر. ومن الواضح الآن أن حرب أوكرانيا لا يمكن أن تنتهي كما حلم بوتين. يمكن لبوتين أن ينشئ سوريا ثانية؛ حيث انتهى به الأمر بعد ست سنوات من العنف الجامح إلى السيطرة على خمسة في المائة من الأراضي، في بلد طُرد نصف سكانه من ديارهم.
بغض النظر عن الطريقة التي تنتهي بها هذه الحرب، تجب معالجة مسألة كيفية ملاءمة روسيا في النظام الدولي. لكن في الوقت الحالي، هناك القليل من الدلائل على أن صانعي السياسة الغربيين يستعدون لهذه المهمة الهائلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب بوتين المرحلة التالية حرب بوتين المرحلة التالية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon