توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاحترار العالمي والنفط المجنى عليه

  مصر اليوم -

الاحترار العالمي والنفط المجنى عليه

بقلم - أمير طاهري

حتى قبل أن يبدأ، كان من الواضح أن مهرجان «كوب28» تحت شعار «إنقاذ كوكب الأرض» الذي نظمته الأمم المتحدة، لن يفي بالتوقعات العالية التي كان بعضها متناقضاً، لدى 198 دولة وعشرات المنظمات غير الحكومية التي حضرت المؤتمر بمختلف الأجندات، بما في ذلك بعض الأجندات الخفيّة.

وعليه، فليس من المستغرب أن يعلن بعض المشاركين «فشلاً كبيراً» للمؤتمر حتى قبل أن يدق رئيسه، الشيخ سلطان أحمد الجابر، بمطرقة النهاية.

وكان لافتاً إلقاء اللوم على «العرب» وعلى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بأسرها. غير أن الحقيقة هي أن منظمة «أوبك» ككلٍّ تمثل ما يزيد قليلاً على ثلث الإنتاج العالمي من النفط. وأن من بين كبار منتجي النفط هناك دولتان عربيتان فقط هما السعودية والعراق، إذ تحتل الولايات المتحدة وروسيا وكندا المركز الأول والثالث والرابع على التوالي كأكبر منتجين للنفط. ومن بين أكبر 20 مستهلكاً للنفط الخام، هناك دولتان فقط عضوان في «أوبك» هما إندونيسيا وإيران.

إذا كان أخطبوط «النفط السيئ العظيم» موجوداً فإن مخالبه تمتد إلى ما هو أبعد من العرب و«أوبك»، من الصين والهند إلى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، والبرازيل.

لكن السؤال: لماذا نشأ «النفط السيئ العظيم» في المقام الأول؟

أصبح النفط عنصراً لا غنى عنه لبناء ما أصبح يُعرف باسم «العالم الحديث» الذي وعد بنمط حياة من الحركة والسرعة في خدمة التجارة العالمية الحرة استناداً إلى نظرية الميزة النسبية. فمنذ البداية، أي في وقتٍ ما من القرن التاسع عشر، سيطرت على تجارة النفط حفنة من الدول الغربية، وباستثناء الولايات المتحدة كانت جميعها تمتلك شركات نفط مملوكة للدولة وآلة عسكرية لحماية وتوسيع مصالحها النفطية. وكان «العالم الحديث» يعني التحضر السريع، والمسافات المتنامية بين أماكن العمل والسكن التي تتطلب النقل، بما في ذلك السيارات التي تعد أحدث رمز للحرية الفردية، جرى الترحيب بها. وكان نمط الحياة الجديد يعني أيضاً بناء مدن رأسية عملاقة مستهلكة للطاقة، ويُنظر إليها بوصفها الرموز الأكثر فاعلية للثروة والسلطة. حتى اليوم، يعد بناء ناطحات السحاب تذكرة الدخول إلى «العالم الحديث». كما ساعد النفط الرخيص على جعل انتقال العمالة والهجرة إلى مستويات غير مسبوقة أمراً ممكناً.

من عجيب المفارقات هنا، أن الكثير من أنصار البيئة الغربيين الذين يلومون «النفط السيئ العظيم» ينسون كل ذلك، وينسون بضع حقائق أخرى؛ أولاها أن الحكومات الغربية تكسب المزيد من المال من الضرائب على النفط ومشتقاته أكثر من الدول الأعضاء المتوسطة في منظمة «أوبك».

في الوقت نفسه، يأتي الجزء الأكبر من الاستثمار في استكشاف وإنتاج احتياطيات نفطية جديدة من الشركات «الغربية»، وإلى درجة أقل من الشركات الروسية والصينية. في حين يتحدث أنصار البيئة الغربيون عن الحاجة إلى إنهاء سطوة النفط، فإن عاماً واحداً لا يكاد يمر من دون أن تفتتح شركاتهم حقول النفط الجديدة في البحر الأبيض المتوسط، وخليج غينيا، والبحر الأسود، بل حتى الدائرة القطبية الشمالية والقارة القطبية الجنوبية.

إذا كان الاحترار العالمي يشكل تهديداً حقيقياً لكوكب الأرض، فلا ينبغي لنا التعامل معه بوصفه مشكلة فنية يتعين على التكنوقراط حلّها. بل إنها مشكلة حضارية لا يمكن التعامل معها إلا إذا كنا مستعدين للتفكير والبدء في العمل من أجل نمط حياة بديل أقل اعتماداً على السرعة والحركة والمدن الضخمة والنمو الاقتصادي الذي يقوده المستهلك. والبدائل المقدَّمة في هذا الشأن تفتقر إلى المصداقية إلى حد بعيد.

إن الحفاظ على نمط الحياة الحالي الذي يتمدد على نحو عرضي إلى الصين والهند والكثير من «الدول الناشئة» بينما يحاول استبدال بدائل تشتمل على عدد من المجهولات بالنفط، ناهيكم بالمجهولات المجهولة. وقد تبدو الطاقة النووية ذات جاذبية، لكن الحقيقة هي أننا ما زلنا لا نعرف إلا القليل عن تأثيرها على المدى الطويل، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتخلص من النفايات الناجمة عنها.

إن إعادة فتح مناجم الفحم المهجورة منذ فترة طويلة في أستراليا، والولايات المتحدة، وبولندا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، من بين بلدان أخرى، ترقى إلى محاولة استخدام شر أكبر للتعامل مع شر أقل خطورة. ولا تزال الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة الهيدروجين، وغيرها من العناصر في مهدها المبكر، وإذا ما استمرت مستويات الاستثمار والتقدم التكنولوجي الراهنة، ربما يستغرق الأمر عقوداً من الزمان حتى يتسنى لها دعم «العالم الحديث» كما نعرفه. ومن غير المرجح أن تنجح أفكار متطرفة مثل «نهاية الهوس بالنمو الاقتصادي» وثقافة جديدة لإعادة التدوير الجديدة، في تأمين الدعم الشعبي المطلوب للانتقال الجاد من أسلوب حياة إلى آخر.

على أي حال، يُظهر التاريخ أن الحضارات القائمة على إعادة التدوير وعدم النمو تنتهي إلى الزوال، وأبرز مثال على ذلك كان الحضارة السومرية القديمة.

إن إلقاء اللوم على «النفط السيئ العظيم» قد يوفر عذراً جاهزاً لفشل الزعامات السياسية، خصوصاً في البلدان الأكثر قوة، في تقديم المشكلة بوصفها مشكلة تتعلق ببناء نمط حياة عالمي مختلف وأكثر استدامة، وليس مجموعة من المسائل المنفصلة مثل غمر جزر المحيط، وانتشار تلوث الهواء إلى ما وراء المدن الضخمة التي تسمم سكانها بالفعل.

وبما أن النموذج الشائع حالياً استغرق تشكيله قرنين تقريباً، فمن السذاجة أن نتوقع ظهور بديل مع عدد قليل من تجمعات مؤتمر «كوب28» والحلول الزائفة، مثل بيع بعض الدول آثار الكربون لدول أخرى.

فمنذ مؤتمر باريس عام 2015، اختار أولئك الذين يقودون حملة «إنقاذ الكوكب» اتباع نهج تدريجي في التعامل مع مشكلة، إذا كانت قائمة لا يمكن حلها من خلال الحيل الدبلوماسية، وتحديد أهداف قطاعية مثل زيادة الحد الأقصى للانحباس الحراري العالمي بمقدار درجتين مئويتين بحلول تاريخ اعتباطي، ثم لعبة تمرير المسؤولية الحتمية.

على الطرف الآخر من الطيف، يندهش أنصار البيئة أيضاً من الآلام قصيرة الأمد حين يتظاهرون بأن إلقاء الطلاء على لوحة فان غوخ في المعرض الوطني أو منع الوصول إلى المترو في باريس من بين أفضل السبل لدعوة الناس إلى التفكير في التحول الذي ربما أصبح أمراً لا مفرَّ منه.

خمِّن أيَّ دولة صناعية قد حققت نجاحاً أكبر في الحد من بصمتها الكربونية أساساً عن طريق استبدال سيارات كهربائية بالسيارات الكلاسيكية. الجواب هي النرويج. ولكنها أيضاً خامس أكبر مُصدر للنفط في العالم وثالث أكبر مُصدر للغاز!

وما الدولة التي لديها أكبر إنتاج للطاقة الشمسية؟ الجواب هي الصين التي تعد أيضاً المستورد الأول للنفط في العالم.

إن قياس تأثير «النفط السيئ العظيم» ليس بهذه السهولة أبداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاحترار العالمي والنفط المجنى عليه الاحترار العالمي والنفط المجنى عليه



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon