توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا: الحرب لم تنتهِ بعد

  مصر اليوم -

سوريا الحرب لم تنتهِ بعد

بقلم:أمير طاهري

منذ عام 2019، عندما بدا أن المأساة السورية بلغت ذروتها، حالت سلسلة من التحليلات الخاطئة المتعاقبة، والتي صدرت بصورة أساسية عن القوى المعنية بالأزمة، دون تطوير استراتيجية لاستعادة ولو صورة ظاهرية للحياة الطبيعية داخل البلاد التي مزقتها الحرب.
كان الخطأ الأول الاعتقاد بأن الحرب قد وضعت أوزارها.
تحدثت آلة الدعاية الروسية عن «انتصار جديد» لفلاديمير بوتين، من المفترض أنه يشكل إعادة لنجاحه في سحق «الإرهابيين الإسلاميين الشيشان». في سوريا، كان بوتين يخوض من جديد الحرب في الشيشان، تماماً مثلما أنه يخوض اليوم حرباً عالمية ثانية جديدة في أوكرانيا.
ومع ذلك، ولأن الهزيمة تولد يتيمة وللنصر ألف أب، ورغم قرار الرئيس باراك أوباما بعد الإقدام على أي فعل، ادعت الولايات المتحدة هي الأخرى إحرازها نصراً بنجاحها في «إعادة سوريا عن شفا الهاوية».
وبالمثل، تفاخرت قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران بانتصارها في سوريا. وأعلن الملالي أن اللواء قاسم سليماني «أكبر قائد عسكري في التاريخ الإسلامي»، وادعوا أنه «أنقذ سوريا من براثن الإرهابيين السنة»، وعاون الرئيس بشار الأسد في تجنب مصير الزعيم الليبي معمر القذافي.
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، نجح في حلب بقرة الاتحاد الأوروبي ليحصل منها على 5 مليارات دولار، في الوقت الذي أحكم قبضته على ما يكفي من حقول النفط والمناجم السورية لضمان الحصول على دخل ثابت في اعتداء صارخ على سيادة بلد وادعاءً للنصر.
ورغم كل هذه الادعاءات بتحقيق النصر، رأى البعض منا أن الحرب حول مستقبل سوريا كانت بعيدة للغاية عن نقطة النهاية.
كانت هناك فترة من الهدوء المؤقت، لكن تبقى الحقيقة أن الحرب في حقيقتها عبارة عن وضع له جوانب سياسية واجتماعية وثقافية وجيوسياسية، وليس سلسلة من المعارك فحسب. على سبيل المثال، لم تتضمن «حرب المائة عام» في أوروبا معارك في كل يوم على امتداد قرن كامل.
وأسفرت فكرة أن الحرب قد انتهت عن خطأ آخر: الاعتقاد بأن بعثة الأمم المتحدة قادرة على جمع «كل الأطراف» معاً داخل أحد الفنادق السويسرية الفاخرة وإقناعهم بأن يتبادلوا القبلات وينسوا ما حدث.
وعندما أخفقت هذه الحيلة، ظهر خطأ ثالث.
ودارت الفكرة هذه المرة حول ترك «اللاعبين الأساسيين»، أي روسيا وتركيا وإيران، المشاركين في الدراما السورية يصوغون دستوراً جديداً من أجل هذه الدولة الفاشلة، ويقنعون الجميع بالموافقة عليه.
إلا أنه سرعان ما تقلص عدد الأطراف الثلاثة إلى اثنين فقط، وهما روسيا وتركيا، بينما تركا إيران وحدها في العراء تحلم بدولة إسلامية في دمشق.
ومع ذلك، بحلول عام 2021، أخفقت هذه المناورة هي الأخرى، لتفسح المجال أمام ظهور خطأ جديد في التقدير.
هذه المرة، ادعى محللون وصناع سياسات أن السبيل الأمثل للخروج من المستنقع هو دعم ما تبقى من نظام الأسد وبناء دولة سورية جديدة حوله.
واليوم، تطرح الكثير من العواصم، منها باريس وموسكو وطهران، هذه الفكرة الخاطئة باعتبارها تشكل سياستها تجاه سوريا، بينما تبدو واشنطن راضية بالتشبث بجيبها الكردي، وترك الآخرين يذوقون وبال أمرهم. ومع ذلك، أخفقت هذه الخطة أيضاً.
رغم ضخ المليارات في خزائن بشار الأسد، بينها 140 مليون دولار في صورة مدفوعات لأعضاء حاشيته من جانب الأمم المتحدة، و4 مليارات دولار على الأقل في صورة «النفط مع الدفع آجلاً» من إيران، ناهيك عن عائدات تهريب المخدرات، لا يبدو لدى الأسد أدنى اهتمام بأي جهود لبناء الدولة.
طبقاً لأفضل التقديرات، فإن 90 في المائة من السكان، في المناطق الخاضعة اسمياً للأسد، تراجعوا لما دون خط الفقر. في هذه المناطق، نجد أن قرابة ربع ما كان يطلق عليه في الحقبة الاستعمارية «سوريا النافعة»، لا يزال أكثر من 50 في المائة من البنية التحتية الأساسية في صورة حطام. والأسوأ من ذلك، أنه ببعض المناطق التي نجح فيها خصوم الأسد من الجماعات المسلحة من خلق ولو صورة للقانون والأمن، فإنها تلاشت.
على سبيل المثال، تعرف درعا اليوم بـ«الجنوب المتوحش»، بينما تحتفظ السويداء ببعض مظاهر الحياة الطبيعية بفضل جماعات الدروز المسلحة.
ومن بين الدلائل على أن الفريق الموالي للأسد غير مهتم أو عاجز عن الشروع في استراتيجية لبناء الدولة، الفرقة المدرعة 4. وهي قوة نخبوية يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار. استولت هذه القوة باستمرار على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة والعديد من المنظمات غير الحكومية الغربية. وكانت أحدث عمليات النهب الكبرى التي تورطت فيها، الاستيلاء على شحنات قمح أخذتها روسيا من أوكرانيا لنقلها إلى الشام بالتعاون مع تركيا.
بجانب ذلك، نجد أن الوضع الاقتصادي داخل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، أشد بؤساً منه في المناطق التي تسيطر عليها تركيا وحلفاؤها، والولايات المتحدة وحلفاؤها الأكراد، وروسيا ومرتزقة «فاغنر» التابعون لها، ناهيك عن إيران وقواتها من الأفغان والعراقيين والباكستانيين من «حماة الأضرحة».
وجاءت أحدث صفعة تلقاها الأسد من جانب طهران، ففي مواجهة أزمة اقتصادية متفاقمة، قرر الملالي إنهاء برنامج «النفط مع الدفع آجلاً». وأعلنوا، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن ناقلة نفط على مقربة من السواحل السورية، ستكون الأخيرة. أما مستقبلاً، فسيتعين على دمشق سداد ثمن النفط مقدماً. كما أعلن الملالي أن السعر التفضيلي للنفط الذي كان يجري التعامل به مع سوريا ويبلغ 35 دولاراً للبرميل، تضاعف إلى 75 دولاراً.
الحقيقة أنه أياً كانت الزاوية التي تنظر إليها، سيتضح لك أن سوريا لا تزال في حالة حرب. وتبدو البلاد أشبه بجرح مفتوح ينشر العدوى في أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط، وشرق حوض البحر المتوسط وغيرهما.
ومع كل يوم يمر، تزداد صعوبة مهمة إعادة بناء سوريا لتصبح دولة طبيعية. ومع ذلك، ليس ثمة مؤشر على أن القوى القادرة على صنع اختلاف، لديها رغبة أو القدرة اللازمة لتطوير استراتيجية لعلاج هذا الجرح.
ومع تركز أنظار العالم اليوم على أوكرانيا، تعرضت سوريا للتجاهل. ومع ذلك، يبقى السبب الرئيسي وراء هذا التجاهل، ولع إدارة بايدن بعقد اتفاق مع طهران على أمل أن يمهد الطريق أمام إعادة الحياة لطبيعتها في سوريا ولبنان واليمن.
وسواء رضيت أم أبيت، تبقى الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على حشد الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري على الصعيدين الدولي والإقليمي لتناول المهمة بالغة الضخامة المتمثلة في استعادة صورة الدولة داخل سوريا، مثلما سبق وفعلت إدارة كلينتون في البوسنة والهرسك، بدعم هائل من جانب الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ربما لم تعد سوريا تحتل عناوين الصفحات الأولى، لكن حتى مع تراجعها إلى الصفحات الداخلية للصحف، فإن هذا لا ينفي أن تحولها لمنطقة «غير خاضعة للحكم» يخلق تهديداً للاستقرار والسلام على المستويين الدولي والإقليمي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا الحرب لم تنتهِ بعد سوريا الحرب لم تنتهِ بعد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة

GMT 08:20 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

ترامب وبوتين يتفقان علي إعادة النظام إلى الجنوب

GMT 09:31 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج العقرب

GMT 09:56 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon