توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بوتين وحرب الرجل الواحد

  مصر اليوم -

بوتين وحرب الرجل الواحد

بقلم - أمير طاهري

عندما شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتياحه لأوكرانيا منذ أكثر عن أسبوعين، بدا وكأنه رجل يعرف ما يفعله. وخلال اجتماعه المتلفز مع المجلس الأعلى للأمن الوطني، أعطى انطباعاً بأن لديه خطة حرب دقيقة تسعى لأهداف واضحة.
ورغم ذلك، نجد الآن من المتعذر استبعاد احتمال أن يكون هذا الانطباع خاطئاً. بمعنى آخر: ماذا لو كان بوتين لا يعرف ما يفعله أو، الأسوأ عن ذلك، لا يعرف ماذا يريد؟
بداية، رفض بوتين استخدام لفظ «حرب» لإحداث انطباع بأن «عمليته الخاصة» القصيرة سعت إلى تحقيق الهدف المحدود المتمثل في تعزيز السيطرة على الجيبين المنفصلين دونيتسك ولوغانسك بوصفهما «جمهوريتين مستقلتين». ومع ذلك، وعلى نحو شبه فوري تقريباً، اتضح أن بوتين لم يقصد أن يقتصر طموحه على هذا المدى. جدير بالذكر هنا، أن بوتين كان يسيطر بالفعل على الجيبين لمدة ثماني سنوات، ومر الجزء الأكبر من هذه السنوات بهدوء إلى حد ما بفضل ما يسمى اتفاقات مينسك مع السلطات في كييف. ولم تكن هناك حاجة إلى حشد ما يقرب من 200 ألف جندي، بعضهم في بيلاروسيا، لتحقيق ما أصبح بالفعل وضعاً قائماً.
وتمثلت الخطوة التالية في إعلان أن بوتين لن يكون راضياً عن أجزاء الدونباس التي كان يسيطر عليها بالفعل، وأنه سيسعى للسيطرة على الـ60 في المائة التي ظلت تحت السيطرة الأوكرانية.
وجاءت حقيقة أنه شنّ خلال الأسبوع الثاني هجمات ضد خاركوف في الشمال وماريوبول في الجنوب، لتثير الانطباع بأنه يرغب في اقتطاع دونباس بالكامل عبر خط الشمال - الجنوب.
ومع ذلك، جرى التخلي عن هذا الأمر أيضاً عندما بدأت قوات بوتين في مهاجمة الغرب، بما في ذلك اندفاعه نحو كييف. في كل مرة اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببوتين، سمع أمراً مختلفاً عن أهداف الرئيس الروسي العسكرية. وبحلول نهاية الأسبوع الثاني، أعلن بوتين أن هدفه تفكيك أوكرانيا كدولة قومية، مذكراً الجميع بهتلر وضمه النمسا من خلال عملية «أنشلوس».
إلا أن هذا الهدف بدا هو الآخر خيالياً. عام 1938، كانت النمسا الجزء الأخير من إمبراطورية عظيمة كانت قائمة ذات يوم من دون هوية وطنية مميزة. حتى هوغو فون هوفمانستال وستيفن تسفايغ اعتبرا النمسا جزءاً من العالم الألماني. في ذلك الوقت، كان جزء كبير من النمساويين النشطين سياسياً متعاطفين مع فكرة الاتحاد مع الرايخ. في الواقع، كان أدولف هتلر في الأصل نمساوياً.
ومع ذلك، نجد في أوكرانيا اليوم، ثمة إحساس قوي، بغض النظر عما كان مضللاً، بالأمة يربط معظم الأوكرانيين، إن لم يكن جميعهم. ولا تكاد توجد أي دائرة انتخابية موالية لروسيا، حتى داخل الأجزاء المحتلة من دونباس، حيث فشل الانفصاليون المسلحون في إنشاء إدارات مدنية فاعلة وظلوا معتمدين كلياً على القوة الروسية.
عندما بدأ الاجتياح، اعتقد بعض المحللين العسكريين الغربيين أن ما يسمى «عقيدة جيراسيموف» سيشكل المبدأ الموجه. وسُميت هذه العقيدة على اسم الجنرال فاليري جيراسيموف، رئيس الأركان الروسي، ومن المفترض أنها مستوحاة من الأساليب المستخدمة من قِبل الجنرالين الأميركيين ديفيد بتريوس وجيمس ماتيس في العراق، والتي جرى تصنيفها في وقت لاحق باعتبارها «حرباً مختلطة» من قِبل مخططي «الناتو». وتدور الفكرة الأساسية هنا حول استخدام القوة الصلبة في خدمة القوات المختلطة المكونة من حلفاء محليين، ووحدات من دون علامات رسمية مميزة، وحتى ملابس أمنية رسمية خاصة، وجميعها مدعومة برشى واسعة النطاق يجري تقديمها لأعداء حقيقيين أو محتملين، واستمالة الناس من خلال الجاذبية الثقافية والاقتصادية.
ومع ذلك، أظهر الأسبوعان الماضيان أن حرب بوتين لم يجر التخطيط لها وفقاً لـ«عقيدة جيراسيموف»، إذا كان مثل هذا الشيء موجوداً من الأساس. في الواقع، أعطى سلوك جيراسيموف المفاجئ خلال جلسة «الأمن» المتلفزة مع بوتين الانطباع بأنه ليس لديه أدنى فكرة عما خطط له «الرئيس الكبير».
في الواقع، من الصعب معرفة ما دار في ذهن بوتين، لكن الأسبوعين الماضيين كشفا عن أنه خطط لحربه تبعاً لقواعد الاستخبارات السوفياتية (كيه جي بي)، وليس استراتيجية عسكرية تقليدية. واعتمدت الاستراتيجية على الاستخدام المكثف والعشوائي للقوة، وفي الوقت الذي يشعر جيراسيموف والجيش المحترف بالقلق حيال الخسائر في صفوف رجالهم، ركز بوتين على إحداث أكبر قدر ممكن من الخراب.
وتقدر الأرقام الرسمية الروسية الخسائر الروسية، خلال الأسبوع الأول من الحرب، بأكثر من 100 قتيل في اليوم. ولدى مقارنة هذه التقديرات بأفغانستان، حيث كانت الخسائر البشرية الروسية ستة قتلى في اليوم، لا يملك المرء سوى التساؤل عن الخطأ الذي حدث. في أوكرانيا، بلغت الخسائر الروسية حتى الآن ضعف ما كانت عليه في حرب عام 2008 ضد جورجيا، في الوقت الذي جرى فيه ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 من دون خسائر تذكر.
داخل أوكرانيا، لا يسعى بوتين لكسب القلوب والعقول، الهدف الذي يعتبره ماتيس وربما جيراسيموف مهماً لتحقيق النصر.
على ما يبدو، يشكل إيفان المروع المثل الملهم لبوتين، فهو يريد ترويع الناس وإجبارهم على الخضوع المرير، كما فعلت قواته في مناطق داخل سوريا، حيث يتشبث هو وحلفاؤه بوهم القوة.
ما يزيد الأمور تعقيداً، بدأ بوتين الحديث عن إعادة توحيد الكنائس الأرثوذكسية في كل من موسكو وكييف - ما يعد نمطاً من الجهاد على غرار نهج «كيه جي بي».
في الحرب الكلاسيكية، تجري صياغة الهدف المباشر بثلاث كلمات: الانتصار والتطهير والسيطرة. ومع ذلك، فإن أسلوب بوتين المتفرد في الحرب يقيس النجاح من خلال حجم الحطام المتكون وأكوام القتلى المدنيين التي تخلفها وراءها.
وتعتبر غروزني في الشيشان وحمص وحلب في سوريا مجرد مثالين من كثير في هذا السياق. داخل سوريا، لم تغز قوات بوتين أي مكان وتسيطر عليه كاملاً، ولم تطهر المناطق التي توجد فيها، الأمر الذي تكشفه الهجمات الحضرية الأسبوعية داخل دمشق نفسها. علاوة على ذلك، لا تسيطر هذه القوات بشكل فاعل على مساحات واسعة من الأراضي. حتى القواعد الجوية البحرية التي أمّنها بوتين على الساحل السوري للبحر الأبيض المتوسط لا تزال عرضة للخطر.
ولا يمكن لطرف ما أن يفوز في حرب إلا إذا أقر الطرف المقابل بهزيمته على الأقل، وهذا الخيار الأفضل من بين خيارات جميعها سيئ. وربما هذا السبب وراء أنه منذ عام 1945، لم يفلح أي جانب في الفوز حقاً في حرب ما على نحو حاسم ونهائي.
وتتمثل واحدة من المقولات الشهيرة بين المعنيين بالعلوم العسكرية في أن الحرب مسألة خطيرة للغاية بحيث لا يمكن تركها للجنرالات. مع بوتين، نرى أن الأسوأ عن ذلك ترك الأمر لعملاء «كيه جي بي».
ربما يتمكن بوتين من الاستمرار في خلق أكوام الحطام لفترة طويلة؛ لأنه يحتكر القوة الجوية، وقد تدخل قواته ذات يوم كييف، أو ما تبقى منها، وتنصب فيكتور يانوكوفيتش، النسخة الأوكرانية لبشار الأسد، داخل حطام القصر الرئاسي. إلا أن ما لا يستطيع بوتين فعله إعادة بناء أوكرانيا كما يشاء.
منذ أكثر عن 2000 عام، نقل المؤرخ تاسيتس عن زعيم المقاومة السلتية الذي يحارب الغزاة الرومان قوله «إنهم يصنعون الصحراء ويطلقون عليها السلام!».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين وحرب الرجل الواحد بوتين وحرب الرجل الواحد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon