توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جولة بوتين الأولى... ماذا بعد؟

  مصر اليوم -

جولة بوتين الأولى ماذا بعد

بقلم - أمير طاهري

للوهلة الأولى، قد تقدم أحدث التحولات والانعطافات في لعبة البوكر الأوكرانية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره الفائز. الأهم من أي شيء أنه يحصد ما زرعه قبل 8 سنوات، عندما حرّض الانفصاليين ذوي الأصول الروسية على إقامة «جمهوريات شعبية» منشقة في أجزاء من الأراضي الأوكرانية في «دونيتسك» و«لوغانسك». ومن خلال تمركز القوات في الجيبين، يمنح بوتين صيغة رسمية للاحتلال الذي مارسه بشكل غير مباشر من خلال مرتزقة «فاغنر» والميليشيات المحلية. ومن خلال فرض «معاهدتي تعاون» على «الجمهوريات» المنشقة، أعلن بوتين أيضاً ضمّها لروسيا. في البداية، أدرك بوتين أن عليه تقديم نفسه على أنه ضحية من أجل كسب تعاطف الرأي العام الغربي الذي يتعامل مع شخصيات مثل صدام حسين أو جورج فلويد، ولذلك فقد قدّم روسيا على أنها ضحية «لتوسع» حلف «ناتو»، وصليل السيوف على أنه فعل من أفعال الدفاع عن الذات.
لا يهم أن حلف «ناتو» هو ميثاق دفاعي، ولا يُسمح له بمهاجمة أي شخص ما لم يتعرض أحد أعضائه للهجوم أولاً. وحتى ذلك الحين، فإن المادة الخامسة التي بموجبها يُسمح بالعمل العسكري لا تنطبق تلقائياً ولم يتم تطبيقها منذ إنشاء التحالف. في المقابل، بقيادة الاتحاد السوفياتي المنحل الآن، تم استخدام «حلف وارسو» المنافس للتدخلات العسكرية في المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا لسحق الانتفاضات الشعبية ضد الهيمنة الروسية.
ادّعى بوتين أن «ناتو» يخطط لضم أوكرانيا كعضو واستخدامها كقاعدة متقدمة ضد روسيا. ويُظهر هذا الادعاء أن بوتين يرى الحرب بين روسيا وحلف «ناتو» كاحتمال، ربما على المدى القصير. ومن الصعب الحفاظ على هذا الادعاء فقط لأنه، بموجب قواعد «ناتو»، لا يمكن قبول دولة لديها نزاعات حدودية غير مستقرة مع جيرانها كعضو. تنطبق هذه القاعدة على كل من أوكرانيا وجورجيا، وهي دولة أخرى غزاها بوتين، وكلاهما ممنوع من عضوية «ناتو» بسبب نزاعاتهما الإقليمية النامة عجن العدوان الروسي.
وهكذا كان بوتين يؤلف أغنية ويرقص على شيء لا يمكن أن يحدث بموجب قواعد «ناتو». لكن بمرور الوقت، قد يكتشف بوتين أنه حقق انتصاراً أجوف بتكلفة سياسية واقتصادية حتى أمنية كبيرة.
في البداية، لم يعد بإمكانه أن يتنكر في هيئة الخراف. حتى المدافعون عنه، ناهيك عن المرتزقة من بين السياسيين والصحافيين الغربيين، لقادرون على الدفاع عن خطوته الأخيرة، ناهيك عن تقديمه كضحية «للإمبريالية». يكشف بوتين عن نفسه كخصم، إن لم يكن عدواً لدوداً للعالم الديمقراطي، ويسهل على أولئك في الغرب الذين لديهم ما يكفي من العمود الفقري للوقوف ضد المهدئات. فقد يكتشف بوتين أنه على الرغم من أن جو بايدن قد يكون ضعيفاً وسهلاً، فإن الولايات المتحدة وعائلة الدول الديمقراطية ليست كذلك.
ومن المرجح أيضاً أن تفشل دعوة بوتين للاعتراف بجمهوريتيه الوهميتين، كما فعلت دعواته المماثلة للاعتراف بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 و«استقلال» الأراضي الجورجية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في عام 2008. حتى عملاؤه في طهران لم يجرأوا على الاعتراف بشرعية هذه الأعمال العدوانية، إذ وصف رفيقه الأخير، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الأمر بأنه «غير مقبول»، بينما أغرق الأخ الأكبر شي جينبينغ في بكين هذه القضية في سيل من النقد. من شأن هذا أن يترك رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو وحيداً، وقد يؤيد أو لا يؤيد أحدث صدع للقيصر فلاديمير.
سيكون بوتين مخطئاً في الاعتقاد بأنه بمرور الوقت سيصادق بقية العالم على «غزوه» تماماً كما لم يعترف أحد بضم ستالين لجمهوريات البلطيق.
كما أن بوتين مخطئ في الاعتقاد بأن فرض «الفنلنة» (تطبيق النموذج الفنلندي) على أوكرانيا يمكن أن يوفر لروسيا المنطقة الجليدية التي يريدها.
في الواقع، عززت فنلندا، النموذج الأصلي لـ«الفنلنة»، الروابط مع الديمقراطيات الغربية باطراد من خلال الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وإقامة علاقات تعاون وثيقة مع «ناتو». كما أنها بنت دفاعاً قوياً، خمن ضد من؟
اشترت فنلندا مؤخراً 64 طائرة حربية فائقة الحداثة من طراز «F - 35» تكفي لتدمير نصف آلات الطيران الروسية القديمة. والسويد، وهي دولة ديمقراطية أخرى من خارج «ناتو»، وبالتالي (تعتبر متبنية للنموذج الفنلندي)، لاحظت السلوك العدواني المتزايد لبوتين وزادت نفقاتها الدفاعية وعززت وجودها العسكري في أرخبيل «غوتلاند».
منذ الغزو الروسي في عام 2008، على الرغم من منعها من الانضمام إلى عضوية «ناتو»، عادت جورجيا أيضاً إلى إعادة بناء دفاعاتها العسكرية، وضاعفت حجم جيشها تقريباً وحصلت على معدات حديثة من الغرب.
وبالتالي، لا يوجد سبب يمنع أوكرانيا التي لا تستطيع الانضمام إلى «ناتو» إلا بعد تسوية النزاعات الإقليمية مع روسيا، من أن تكون قادرة على ترقية دفاعاتها بدعم من الديمقراطيات الغربية، وهو أمر يحدث بالفعل، وإن كان على نطاق متواضع حتى الآن. يعزز سلوك بوتين العدواني أيدي القوميين الأوكرانيين الذين يسعون إلى «مستقبل أوروبي» لأمتهم. في المقابل، من شأن ذلك أن يبرر مزيداً من الإنفاق على الدفاع الأوكراني، وهو الأمر الذي قد يجبر بوتين على الدخول في سباق تسلح صغير على الأطراف الغربية لروسيا.
أظهر مشهد الدبابات الروسية القديمة والعربات المدرعة التي تتسلل إلى «دونباس» مدى قوة ترسانة بوتين العتيقة. لا يمكن أن يكون الاحتفاظ بـ150 ألف جندي أو 10 في المائة من قدرته العسكرية القابلة للاستخدام في «دونباس» احتمالاً واقعياً، في الوقت الذي جعل بوتين روسيا تشارك عسكرياً في بيلاروسيا، وكازاخستان، وطاجيكستان، وسوريا، وليبيا، ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.
كما أن بناء الإمبراطورية أمر مكلف. فمنذ عام 2014 حُرمت شبه جزيرة القرم من مصدر دخلها الرئيسي، ألا وهو السياحة الأجنبية، وكلفت روسيا نحو 40 مليار دولار، بما في ذلك تكلفة جسر إلى البر الرئيسي. ومع وصول «دونباس» إلى النقطة صفر من حيث الصمود الاقتصادي، سيتعين على بوتين تلبية احتياجات أكثر من 4 ملايين شخص «يتلقون المساعدة الاجتماعية»، بما في ذلك كثير من المتقاعدين من كبار السن.
قد يلاحظ أي شخص يتابع السياسة الروسية مع بعض الاهتمام حقيقة أخرى، قد تكشف أن انتصار بوتين أجوف، وهي عدم وجود إجماع كبير على مقامرة القيصر فلاديمير الأخيرة. في العرض المتلفز المصمم لإظهار أن بوتين كان يتصرف بناء على نصيحة كبار المسؤولين، بدا رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين وعضوان آخران على الأقل في مجلس الأمن القومي أقل حماساً بشأن المسار الذي اقترحه بوتين، ولمح إلى أن المسار الدبلوماسي قد لا يجري حظره.
كما أن التسرع الذي دفع به بوتين لنصوص «المعاهدة» من خلال مجلس «الدوما»، البرلمان الروسي، أدى أيضاً إلى القلق من أن النقاش الحقيقي قد يشير إلى عدم وجود دعم كامل لمغامرة «دونباس». قد يرفض أولئك الذين يرون في بوتين كحاكم هذا الاقتراح باعتباره وهمياً وقد يكونون على حق. ومع ذلك، فإن الاحتمالية التي قد يشعر بها البعض في نخبة القيادة الروسية بشأن جنون العظمة لدى بوتين لا ينبغي استبعادها.
هذه مباراة متعددة الجولات، وقد يكون بوتين قد فاز في الجولة الأولى. ومع ذلك، لم يدق جرس النهاية بعد.       

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جولة بوتين الأولى ماذا بعد جولة بوتين الأولى ماذا بعد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon