توقيت القاهرة المحلي 17:57:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جمهورية الخوف... بعد عشرين عاماً

  مصر اليوم -

جمهورية الخوف بعد عشرين عاماً

بقلم - أمير طاهري

في روايته البيكارسية، أو الصعلوكية، بعنوان «بعد عشرين عاماً»، التي جاءت استكمالاً لرواية «الفرسان الثلاثة»، يتأمل الروائي الفرنسي أليكساندر دوما موضوع «المستبد الخيِّر» باعتباره حائطاً منيعاً في مواجهة التغيير الجامح الذي قد يؤدي في النهاية إلى حدوث اضطرابات هوجاء.

في الفلكلور العربي، تمثل فترة عشرين عاماً جيلاً ونقطة مرجعية لاستعراض الماضي، بهدف استخلاص الدروس والعِبَر للمستقبل. في اليوم الأول من الربيع المقبل، 20 مارس (آذار)، تحل الذكرى العشرون للحرب العراقية لتعطي نمط رحلات العودة إلى الماضي التي كان يستغلها «أثوس»، إحدى شخصيات دوما في الرواية، التي استخدمها للحكم على أحداث الماضي. ومن دون الحاجة للف والدوران ولا حتى التورية، دعونا نرَ ما إذا كنا اليوم ننظر إلى الطريقة التي جرت بها إطاحة صدام حسين بالنظرة نفسها التي رأيناها بها قبل عشرين عاماً.

عليَّ أن أذكركم بأنه عام 2003، كان لديَّ إيمان راسخ بأنه من دون إطاحة صدام حسين من السلطة كان العراق سيمضي في طريق مسدود، نتيجة للخضوع لحكم نخبة صغيرة من الشخصيات العسكرية، كان صدام حسين أبرزها وآخر رموزها.

كانت المرة الأولى التي التقيتُ فيها صدام حسين وأجريتُ معه مقابلة شخصية، عام 1975، عندما دعاني لتناول الغداء معه في مقر إقامته ببغداد. كان يقيم في فيلا متواضعة ولم تكن تشبه بحال أياً من القصور التي بناها لاحقاً. ومع ذلك، لم يكن صدام نفسه شخصاً متواضعاً.

تحدث صدام خلال اللقاء عن «الأشياء» العظيمة المفترض أن يقوم بها العراق، تماماً مثل تلك التي أنجزها «أجدادنا البابليون والعرب القدماء العظماء». كانت بلاد ما بين النهرين موطن الحضارة ومنبت الحياة الحضرية على كوكب الأرض. في القرن السابع عشر، لم يكن تعداد العرب قد وصل إلى المليون نسمة، ورغم ذلك نجحوا في هزيمة أكبر إمبراطوريتين على وجه الأرض في ذلك الحين.

اللافت في حديثه أنه، على الرغم من كلامه عن «أسلافه أصحاب الإنجازات العظيمة»، فقد كان ينظر للعراقيين والعرب من أبناء الحاضر بصفة عامة نظرة دونية. كان المقصود ضمناً أنه وحده مَن يتعيَّن عليه تحقيق كل تلك الإنجازات العظيمة التي تحدث عنها. وفي لقاءات لاحقة جمعتني به، بما في ذلك الوقت الذي قضيتُه معه، ومع الوفد المرافق له في طهران وفي مدينة مشهد، لاحظت أنه كان يعامل أقرب مساعديه بازدراء كبير. كان هو وحده المهيمن، أقرب ما يكون للفارس ذي الدرع البراق الممتطي صهوة جواد أبيض ويركض به صوب آفاق المجد.

كنت أراه في ذلك الوقت ذلك الرومانسي الحالم صاحب الميول النرجسية الحادة. وعلمت بعد موته أنه كان روائياً فاشلاً، بالضبط كما كان ستالين كاهناً فاشلاً، وهتلر رساماً فاشلاً، وماو تسي تونغ شاعراً فاشلاً، وآية الله الخميني عالم لاهوت فاشلاً.

عشية غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، ساد حديث عن مساعي الولايات المتحدة نشر الديمقراطية بالقوة هناك، وهو ما شككتُ في جدواه بعدة مقالات كتبتها في ذلك الحين.

ومع ذلك، كنت أرى أنه يمكن استخدام القوة لإزالة العقبات التي تعترض الديمقراطية. وقد أدَّى استخدام القوة إلى تمهيد طريق ألمانيا وإيطاليا نحو الديمقراطية، وأدَّى التدخل العسكري لفيتنام إلى إنقاذ كمبوديا من المزيد من فظائع «الخمير الحمر»، وتمكن الجيش التنزاني من إنهاء الرعب الذي ساد عهد عيدي أمين في أوغندا. وإلى أن حدث الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، كان صدام قد غزا الكويت بالفعل وارتكب فيها مذابح وأعمال سلب ونهب وفظائع. كما أقدم صدام على قتل آلاف الأكراد باستخدام غاز سام ضد مدينة حلبجة، وكذلك استخدم أسلحة كيماوية ضد مجندين إيرانيين عديمي الخبرة أرسلهم شريكه في الجريمة، آية الله الخميني.

لنكتفِ بهذا القدر من الجرائم التي اقترفها هذا المستبد؛ هل بات العراق مكاناً أفضل مما كان عليه في عهد صدام حسين؟ حسناً، قد لا يكون مكاناً أفضل، لكنه بكل تأكيد أقل سوءاً مما كان عليه قبل عشرين عاماً. قد عاد إلى البلاد قرابة أربعة ملايين عراقي كانوا قد فروا من البلاد وعاشوا لاجئين بالخارج خلال السنوات العشرين الماضية. واليوم يحتل العراق المرتبة 140 بين الدول المصدِّرة للاجئين، بينما كان يحتل المرتبة العاشرة في عهد صدام حسين. كما أن المهاجرين من العراق اليوم ينتمون في معظمهم للمنطقة الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي، غالبيتهم من الشباب الباحثين عن مستقبل مادي أفضل في أوروبا. في الوقت ذاته، يأوي العراق كثيراً من اللاجئين السوريين، بينما تواجه الجارة إيران تدفقاً كبيراً من اللاجئين، غالبيتهم من الحاصلين على تعليم عالٍ، بوتيرة أكبر من العراق.

خلال السنوات العشرين الماضية، ارتفع متوسط الأعمار في العراق من 67 عاماً في 2002 إلى فوق 75 عاماً، 2021. كذلك تحسَّن أداء العراق الاقتصادي، أو بات أقل سوءاً، ما تجلى في ارتفاع إجمالي الناتج المحلي للفرد إلى 10 آلاف دولار، مقارنة بـنحو 2100 دولار عام 2002، وارتفعت قيمة العملة الوطنية (الدينار) 4 أضعاف مقارنة بسلة تتضمن عملات كبيرة. غير أنه في الجمهورية الإسلامية المجاورة، تراجعت قيمة العملة الإيرانية، الريال، أمام الدولار الأميركي لتبلغ نصف مليون ريال لكل دولار واحد، مقارنة بسبعين ريالاً عام 1978.

على الرغم من زيادة شُحّ الماء جراء السدود الضخمة التي بنتها تركيا؛ فقد عادت الزراعة العراقية، وإن كانت على استحياء، بعد أن قاربت على الموت في ظل حكم الطاغية الذي سقط. عام 2021، لم يعد العراق ضمن الدول «المعرَّضة» للجوع والجفاف.

فيما يخص الحريات السياسية والاجتماعية، فقد تحسَّن أداء العراق أيضاً مقارنة بجيران، مثل الجمهورية الإسلامية في إيران، ومقارنة بالمناطق السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.

في مواجهة تحديات مميتة، مثل ظهور تنظيم «داعش» ومحاولة الانفصال الكردية، أظهر العراق في مرحلة ما بعد صدام درجة من المرونة أكثر مما توقع البعض.

كما نجح العراق في إحباط محاولات الجمهورية الإسلامية عرقلة بناء جيش وطني عراقي وفرض دولة ميليشيا.

من ناحيتها، ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء عديدة في العراق، منها تفكيك الجيش، وحظر جميع أعضاء حزب البعث، والمحاولات الصبيانية لفرض اقتصاد السوق في ظل نظام شديد المركزية.

وأدى ضخ كميات كبيرة من الدولار الأميركي في العراق إلى تفشي الفساد على نطاق واسع. وكان لكثير من الأفراد والشركات الأميركية نصيب كبير من تلك الكعكة، وقالوا إن الفساد متوارَث جينياً بين العراقيين. واليوم، بات العراق في مصاف الدول التي أصبح فيها الفساد منهاج حياة، وليس استثناء من قواعد النزاهة. إلا أن الأوضاع كانت أسوأ في ظل حكم صدام حسين، عندما كان الفساد يعود بالنفع على شريحة محدودة من المجتمع، بينما الفساد يُستخدم اليوم أداةَ رعاية، إذ يقدم تذكرة وصول لشرائح أكبر من المجتمع تلتف حول الساسة أو الجماعات العرقية والدينية.

الحرب لم تُحِل العراق إلى نموذج للديمقراطية، لكن، بحسب وصف صديق عراقي قبل أيام، أنهت ما سماه كنعان مكية «جمهورية الخوف».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جمهورية الخوف بعد عشرين عاماً جمهورية الخوف بعد عشرين عاماً



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon