توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بعد الانتخابات الأميركية لن تخرّ السماء على الأرض!

  مصر اليوم -

بعد الانتخابات الأميركية لن تخرّ السماء على الأرض

بقلم : أمير طاهري

في ساعة متأخرة من ليل باريس، أيقظني من نعاسي، صوت صديق إيراني عبر الهاتف يريد أن يعرف مَن أظنه سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة. وبينما أتمتم بحثاً عن إجابة، أسرع المتصل البعيد إلى استعجال الإجابة: إذن مَن سيفوز؟

قلت: «الفائز سيكون النظام الأميركي»، وأدركت على الفور أن هذا قد يبدو أقرب إلى المراوغة منه إلى الإجابة الصحيحة.

ومع ذلك، بقيت متمسكاً بإجابتي، وذلك لعلمي أن طرحي أياً من دونالد جيه ترمب أو كامالا هاريس على أنه الفائز المحتمل، سيُفضي إلى سيل من التكهنات حول ما سيحدث إذا انتهى به المطاف إلى البيت الأبيض.

في الواقع، هذا السيل الجارف من التوقعات مستمر بالفعل منذ أسابيع، مع طرح الخبراء دفقات ضخمة من التنبؤات المتناقضة. على سبيل المثال، تزعم صحيفة «واشنطن بوست»، التي تقف بقوة خلف هاريس، أن فوز ترمب سيدفع العالم إلى ثلاثينات القرن العشرين، عندما أسفر شعار «القوة هي الحق» عن اشتعال الحرب العالمية الثانية.

وفي الطرف الآخر من الطيف السياسي، يزعم أنصار ترمب في «ماكس نيوز»، أن فوز هاريس قد يحوِّل الولايات المتحدة إلى نسخة راقية قليلاً من دول العالم الثالث.

وشكَّل الاعتقاد بأن الولايات المتحدة في حالة انحدار، موضوع كثير من البرامج الحوارية التلفزيونية هنا في باريس، حيث أقضي بعض الوقت.

ويختلف المتحدثون في ما بينهم حول أيّ المرشحَين سيبطئ أو يسرع وتيرة هذا الانحدار في فترة ولايته، لكنهم جميعاً يتفقون على أن المستقبل ينتمي إلى الصين، بوصفها زعيمة نظام عالمي جديد، أقصى طموحات الولايات المتحدة فيه الاضطلاع بدور الوصيف.

في الواقع، فكرة أن الولايات المتحدة في طريقها إلى أن تصبح قوة عظمى «سابقة» ليست جديدة. مثلاً، في عشرينات القرن العشرين، اعتقد أشخاص مثل أرماند هامر أن المستقبل ينتمي إلى القوة السوفياتية الناشئة و«الرجل الاشتراكي الجديد» الذي كان يُخلق. وفي ثلاثينات القرن العشرين، تطلع أشخاص مثل تشارلز ليندبيرغ إلى ألمانيا، بوصفها القوة العالمية المستقبلية، والحكم على مصير البشرية. وفي ستينات القرن الماضي، كانت كل الرهانات على اليابان، وفي السبعينات راهن علماء المستقبل على فرنسا.

ويتحدث بعض الخبراء عن نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، حيث ستشكل الولايات المتحدة قطباً بين أقطاب عدة. إلا أن مثل هذا التحليل معيب في جوهره، ببساطة لأن الأقطاب من المفترض أن تكون نقطتين متعارضتين تتوازنان لمنح النظام العام الاستقرار.

بعبارة أخرى، لا يمكن أن يكون هناك كثير من الأقطاب هنا وهناك وفي كل مكان، بل في بعض الأحيان تكون متصلة بعضها ببعض مثل التوائم السيامية.

على أي حال، تظل الحقيقة أن الولايات المتحدة «الأمة التي لا غنى عنها»، كما كانت على الأقل على امتداد القرن الماضي أو نحو ذلك.

والحقيقة أن الحروب المستعرة في أوكرانيا والشرق الأوسط لن تنتهي، من دون أن تقدم واشنطن التوجيه والإلهام اللازمين، بدعم من القوة العسكرية والاقتصادية والقوة الناعمة، على نحو لا تستطيع أي دولة أخرى تقديمه، في الوقت الحاضر. وينطبق الأمر نفسه عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات الكبرى المطلوبة في هيكل الأمم المتحدة ووكالاتها، إلى جانب المراجعة، التي طال انتظارها، لقواعد التجارة العالمية.

وفيما يتعلق بالانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني ) المقبل، يتركز السؤال حول ما الذي يمكن أن يقدمه المرشحان بشأن هذه القضايا... والجواب: ليس الكثير.

الواقع أن الانتخابات الرئاسية الأميركية، مثلما أشار الجنرال ديغول ذات يوم إلى الانتخابات الرئاسية في كل مكان، نادراً ما تدور حول سياسات ملموسة. وقد شدد الجنرال الفرنسي على اعتقاده بأن «الانتخابات الرئاسية أشبه بموعد لقاء بين رجل وأمة». (والآن، ربما أصبحت أشبه بموعد بين رجل وامرأة).

الملاحَظ أن الحملة الرئاسية الأميركية الحالية ركزت على شخصيات المرشحين لا على السياسات. من جهته، لطالما صوَّر المرشح الجمهوري ترمب نفسه بوصفه شخصية ذكية، وليس خبيراً محنكاً في السياسة. وكانت حملته الانتخابية أشبه بمونولوغ طويل يكشف فيه عن نفسه، بكل عيوبه، ويدعو الناخبين إلى الحكم عليه بصفته شخصاً. ومن المثير للاهتمام أن خصومه، بمن في ذلك هاريس، رقصوا على موسيقاه، من خلال جعله هدفاً لهجمات شخصية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الانتخابات الأميركية.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن ترمب تجنب تناول جميع القضايا. الحقيقة أنه فعل ذلك بطريقة غير مباشرة، عبر سرد قصة تلفت الانتباه إلى قضية ما، من دون إخضاعها للتحليل الكلاسيكي. وقد وصف خصومه هذه الطريقة بأنها مجرد كذب.

ومع ذلك، ساعد هذا الأسلوب ترمب على إقناع أنصاره بأنه «واحد منَّا»، أي مرشح مناهض للمؤسسة يتقاسم معاناتنا وتطلعاتنا.

في المقابل، وقعت هاريس في شرك التناقضات، فهي لم تكن راغبة في تحمل السجل الكامل للرئيس جو بايدن، وفي الوقت ذاته امتنعت عن رفضه. لقد راودتها فكرة تقديم نفسها بصفتها خبيرة بالسياسة، ولكنها اضطرت إلى التراجع لأنها تحاول تشكيل تحالف من الأقليات ذات المصالح والتطلعات المتنوعة، إن لم تكن المتناقضة.

وعبر مواصلة مونولوغه الذي لا ينتهي، يخبر ترمب الناخبين أكثر فأكثر عن نفسه. على النقيض من ذلك، تعمد هاريس إلى الحديث لإخفاء نفسها، فكلما استمعتَ إليها أكثر تضاءل ما تعرفه عنها.

وفي الوقت الذي ينتقد معارضو ترمب أنانيته ويشيدون بإيثار هاريس، نجد في حقيقة الأمر أن أنانية ترمب حقيقية، في حين أن إيثار هاريس مصطنَع. والمثير أن تدخل باراك أوباما في الحملة الانتخابية أضرَّ بهاريس، بدلاً من مساعدتها، من خلال خلق حالة من الارتباك حول الشخصية الجديدة التي حاولت بناءها.

إلى جانب ذلك، لم تفلت الانتخابات الحالية من الكليشيهات المعتادة عن «التاريخي» أو «صنع العصر». ومع ذلك، من غير المرجح أن يتغير موقف الولايات المتحدة الاستراتيجي واسع النطاق بشأن القضايا الرئيسية، بغضّ النظر عمّن يفوز. والمؤكد أنه في السادس من نوفمبر، سترتفع مؤشرات «وول ستريت»، ولن تخرَّ السماء على الأرض. وتتركز القضية الحقيقية في هذه الانتخابات في: أيٌّ من المرشحَين الاثنين سيشعر الأميركيون، أو على الأقل 50 في المائة من الناخبين، بأنه أقرب إليه. وهذا في حد ذاته سؤال ضخم لدرجة تكفي لجعل هذه الانتخابات تاريخية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد الانتخابات الأميركية لن تخرّ السماء على الأرض بعد الانتخابات الأميركية لن تخرّ السماء على الأرض



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon