توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طالبان... وامتحان الوقت

  مصر اليوم -

طالبان وامتحان الوقت

بقلم - أمير طاهري

مع الهروب المتعجل للرئيس أشرف غني من كابل، فإننا نشهد الآن سقوط النظام الثاني من بين خمسة أنظمة تصنف نفسها جمهورية إسلامية في ما يزيد قليلاً على العامين.

أول من سقط كانت جمهورية السودان الإسلامية وما تبقى لدينا هو جمهوريات إسلامية في باكستان، وإيران، وموريتانيا. إذا قمنا بتضمين الدولة الإسلامية التي تم إنشاؤها في أجزاء من العراق وسوريا قبل بضع سنوات وما زالت باقية تشع رائحة كريهة، فقد نستنتج أنه على الرغم من نجاح طالبان الأخير، فإن تسمية «إسلامي» ليست معرضة للخطر كما يرى البعض.
الفرق هو أنه في السودان تم الاستعاضة عن الجمهورية الإسلامية بمحاولة خجولة، وإن لم تكن أقل صدقاً، لإرساء الديمقراطية بينما تشير الجمهورية الإسلامية في أفغانستان إلى عودة الإمارة الإسلامية أو نسخة أكثر راديكالية من الإسلام السياسي.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت «طالبان» ستنجح في بناء دولة في أفغانستان أم ستصبح أفغانستان منطقة أخرى غير خاضعة للحكم ولا تنعم بالاستقرار في غرب آسيا؟
قد تشير السرعة التي سقطت بها جمهورية غني المدعومة من الولايات المتحدة، إلى أن طالبان تتمتع بقاعدة دعم شعبية كبيرة بما يكفي للحفاظ على بناء دولة جديدة.
ومع ذلك، هنا وكما هو الحال في كثير من الأحيان في حالات مماثلة، فإن المظاهر غالباً ما تكون مضللة. فطالبان لم تكسب أي ساحة معركة لأن قوات الأمن الأفغانية، خارج مواقع قليلة مثل قندهار ولاشكارجاه، إما استسلمت أو هربت. مثل المرة الأخيرة عندما ظهرت كقوة مهيمنة في أفغانستان، يقال إن طالبان قدمت حقائب سامسونايت مليئة بالدولارات، علاوة على إعطائها وعوداً بالسلامة ومناشدة الانتماءات القبلية البشتونية لإقناع قادة الجيش والشرطة بإعادة سيوفهم إلى أغمادها.
اعتمد نظام غني إلى حد كبير على حوالي 20 ألف رجل أمن من القطاع الخاص، غالبيتهم من أوروبا والولايات المتحدة، لكنهم أيضاً لم يروا أي سبب للتورط عندما كان قادة الأمن الأفغان أنفسهم فارين.
والأهم من ذلك أن غالبية الأفغان لم يروا أي سبب للقتال وربما الموت من أجل جمهورية غني الإسلامية. ومن المؤكد أن تشكيل نظام غني كان أفضل بكثير مما قد تقدمه طالبان. لكن فساد النظام وعدم كفاءته والقبلية والجبن حالت دون تشكيل إرادة المقاومة. واليوم يجري استبدال نظام مهتز بنظام مهتز آخر.
يوجد في أفغانستان أكثر من 18000 قرية، حيث يعيش 76 في المائة من السكان، لم يحكمها قط أي شخص بأي معنى مقبول لمصطلح الحكم، لكنها دائماً ما كانت آمنة نسبياً في عزلتها. فيما يتعلق بسكان الحضر، أظهرت العديد من استطلاعات الرأي على مدى العقدين الماضيين أن تأييد طالبان الشعبي لم يرتقِ إلى 14 في المائة. لهذا السبب، حتى في البلدات والمدن ذات الأغلبية البشتونية، لم يحضر أحد للترحيب بالأبناء الضالين. وبدلاً من ذلك، اتخذ الناس الاحتياطات لإخفاء أنفسهم كما لو كانوا من نوبة طقس سيئ أو عاصفة بَرَد، حيث نفضت النساء الغبار عن البرقع القديم أو بقين في المنزل فيما بدأ الرجال في إطالة لحاهم.
منذ سقوط النظام الملكي في أوائل السبعينات، شهدت أفغانستان عدة محاولات لبناء هيكل دولة بديل وفشلت في جميع هذه المحاولات، واستمرت التجربة مع محمد داود خان، المغرور الذي أنهى النظام الملكي، أقل من خمس سنوات.
ثم جاء دور الشيوعيين القدامى الذين أهدروا خمس سنوات أخرى في الهندسة الاجتماعية والسياسية. وتم استبدال رجال «كي جي بي» بهم الذين أمضوا فترة خمس سنوات في محاولة للتغلب على المجاهدين، المعارضين المسلحين المدعومين في الغالب من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. كان للمجاهدين فترة خمس سنوات، حيث قضت الفصائل الطاجيكية والأوزبكية والبشتونية طاقتها في قتال بعضها البعض بدلاً من بناء هياكل دولة جديدة. وذهبت فترة الخمس سنوات التالية إلى طالبان التي دخلت كابل من دون قتال. لكنهم أيضاً لم يتمكنوا من بناء أي شيء يشبه الدولة. وتم الاعتراف بنظامهم من قبل دولتين فقط ولم يتم قبولها في الأمم المتحدة.
قسم المؤرخون الإسلاميون في العصور الوسطى نشوء الحالة الصلبة إلى خمس مراحل. في المرحلة الأولى، تقوم قوة أو قبيلة أو جيش من المرتزقة باحتلال رقعة من الأرض. وفي المرحلة الثانية، يتأكد الفاتح من أنه الأقوى في المنطقة المعنية. وفي المرحلة الثالثة، يثبت الفائزون هيمنتهم بعد أي تحدٍ محتمل. وفي الرابعة يحول المعسكر الفائز نفسه إلى قوة حاكمة. وهذا بدوره، وفي الوقت المناسب، يؤدي إلى المرحلة الخامسة والأخيرة التي تظهر فيها دولة جديدة مع احتمال الاستمرارية.
في أول ظهور لها على الساحة الأفغانية، لم تتمكن طالبان من تجاوز المرحلة الأولى نصف المكتملة، وفي بعض المناطق الحضرية المرحلة الثانية. لا يوجد سبب يجعل طالبان أكثر نجاحاً هذه المرة. ففي الوقت الحالي لا يبدو أنهم يواجهون أي تحدٍ من قبل أي جماعة مسلحة. لكن هذا سيتغير بسرعة، إذ إن الجماعات الإسلامية المتنافسة موجودة بالفعل، وتسيطر على أجزاء من الأراضي. ويتم زرع ما يسمى «داعش» في «كونار» و«لوغار» بينما تنشغل جماعة أخرى تُعرف باسم خراسان وتتعهد بإنشاء خلافة جديدة تغطي أجزاء من آسيا الوسطى، وأفغانستان، وباكستان وإيران. طالبان نفسها بعيدة كل البعد عن كونها جماعة موحدة مع باكستان والجمهورية الإسلامية في إيران، ويبدو أنه حتى تركيا والصين وروسيا لها «اتصالات» في الحركة.
حتى في الهيكل الأساسي لطالبان، فإن مثل هذه الجماعات مثل شبكة حقاني، التي أصبحت المهيمن الرئيسي في الحركة، لها تاريخ طويل من التنافس المميت مع مجموعات مختلفة بما في ذلك ورداك ودوائر كويتا وبقايا مجاهدي عبد الحق.
الأكثر تهديداً في الأمر أن طالبان قد تواجه جماعات معارضة جديدة تنشأ على أساس الهويات العرقية. ومن غير المرجح أن يخضع الطاجيك، الذين يمثلون حوالي 32 في المائة من السكان، لسيطرة البشتون بشكل أساسي، وقد يعيدون إحياء تحالفهم القديم المناهض لطالبان مع الأوزبك والهزارة أصحاب التاريخ الملطخ بالدماء مع طالبان.
والأهم من ذلك، أن طالبان قد تواجه معارضة حضرية قائمة على السكان والتي غالباً ما كانت غائبة في السياسة الأفغانية. تجربة العقود الأربعة الماضية، وخاصة العشرين عاماً الماضية لا يمكن محوها بجلطة دماغية. لقد تذوق ملايين الأفغان أسلوب حياة مختلفاً ومن غير المرجح أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء ألف وأربعمائة عام كما تطالب طالبان. ولأنه من دون تعاونهم لا يمكن بناء أي شيء يشبه هياكل الدولة، لن تجد طالبان أنه من السهل ترتيبها مع تكتيكات الإرهاب المعتادة.
بعبارة أخرى، إن طالبان محكوم عليها بالفشل وستترك أفغانستان أرضا غير محكومة. وهذا في حد ذاته خبر سيئ للعالم بأسره لأن الأرض غير الخاضعة للحكم هي المكان المثالي للجماعات الإرهابية من جميع الطوائف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طالبان وامتحان الوقت طالبان وامتحان الوقت



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon