توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطريق الذهبي إلى سمرقند

  مصر اليوم -

الطريق الذهبي إلى سمرقند

بقلم : أمير طاهري

«... ولكن ما هو الهدف من ورائها؟»... هذا هو السؤال الذي طرحه الإعلام في روسيا والصين وإيران ونحو 6 دول أخرى، الأسبوع الماضي، في أعقاب قمة سمرقند التي جمعت قادة هذه الدول معاً بصفتهم أعضاء أو دولاً تطمح للحصول على عضوية منظمة شنغهاي للتعاون.
ورددت وسائل الإعلام الروسية تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة قائلة إن منظمة شنغهاي للتعاون قد تم تصميمها لإنهاء «العالم الأحادي القطب» من خلال إنشاء «نظام متعدد الأقطاب»، فيما قدمت وسائل الإعلام الصينية تصريحات مختلفة قائلة إن المنظمة تهدف إلى تقديم نظام سياسي جديد للعالم بأسره كبديل للنموذج الديمقراطي الغربي، أما بالنسبة لوسائل الإعلام في طهران، التي احتفلت بقبول المنظمة انضمام الجمهورية الإسلامية لها بعد 11 عاماً من توسلها لها، فإن منظمة شنغهاي للتعاون هي بمثابة امتداد لجبهة المقاومة التي تم إنشاؤها لاحتواء ودحر «الشيطان الأكبر» الأميركي.
ومع ذلك، فإنه من خلال إلقاء نظرة فاحصة على المنظمة فإنها ستظهر وكأنها كيان بدون محتوى واضح، أو إطار فارغ يمكن للفنانين المختلفين أن يعرضوا فيه تخيلاتهم المختلفة، فقد تم إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون في عام 1996 باسم مجموعة شنغهاي الخماسية التي تضم الصين وروسيا وقيرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان معاً لغرضين اثنين؛ أولهما هو ترسيم حدود الصين مع روسيا والجمهوريات السوفياتية الثلاث السابقة، وثانيهما هو محاربة «الإرهاب الإسلامي» الذي أثر على الصين في تركستان الشرقية (شينجيانغ) وروسيا في الشيشان وطاجيكستان في كولياب وقرغيزستان في وادي فرغانة.
ولكن بعد مرور ربع قرن على تأسيس المنظمة، فإنه لم يتحقق أي من هذين الهدفين؛ حيث لا تزال حدود روسيا الطويلة مع الصين، التي تشمل مساحات شاسعة من الأراضي الصينية، التي ضمها الاتحاد السوفياتي في حربين حدوديتين في الستينات، غير محددة.
وفشلت الصين في إقناع طاجيكستان بالتنازل عن قطعة أرض ضرورية لتوسيع ممر بكين مع باكستان، (وتحاول بكين الآن شراء ممر واخان من أفغانستان لنفس الغرض)، كما فشلت طاجيكستان وقيرغيزستان في ترسيم حدودهما أيضاً، إذ خاضت الجارتان حرباً حدودية عشية قمة سمرقند، وفي الوقت نفسه، فإنه لطالما استمرت الصين في المطالبة بأجزاء كبيرة من كازاخستان التي ضمتها روسيا تحت حكم القياصرة.
وقد انضمت أوزبكستان، وهي جمهورية سوفياتية سابقة أخرى، إلى المنظمة في عام 1997 للحصول على مساعدة ضد الإرهاب الذي يقوده «حزب التحرير الإسلامي»، لكنها أيضاً لديها مشكلات وحدوية (أي موقف دولة تدعو لضم أراضٍ تديرها دولة أخرى على أساس العرق أو حيازة مشتركة تاريخية سابقة، فعلية أو مزعومة) معقدة مع طاجيكستان.
ومن الناحية العرقية والثقافية، فإن مدينة سمرقند، التي عُقدت فيها القمة، هي أكبر مدينة طاجيكية في العالم، فيما لدى منطقة كولياب في طاجيكستان أغلبية أوزبكية.
وقد تم التأكيد بشكل أكبر على هوية منظمة شنغهاي للتعاون باعتبارها كياناً يضم دولاً غريبة من خلال قبول مجموعة من الأعضاء الجدد التي لديها جميعاً نزاعات إقليمية بعضها مع بعض، إذ خاضت الهند حربين حدوديتين مع الصين، وفقدت أجزاء كبيرة من الأراضي في لاداخ وكشمير، كما خاضت 4 حروب مع جارتها الباكستانية، وخسرت قطعة أرض في ران كوتش، لكنها نجحت في تقسيم باكستان من خلال خلق بنغلاديش.
ولجعل المنظمة أكثر غرابة، فإن الدول الأخرى التي تعاني من مشكلات خاصة بها قد باتت مهيأة أيضاً للحصول على العضوية، بما في ذلك أذربيجان وأرمينيا، وهما حالياً في حالة حرب إحداها ضد الأخرى، ونيبال، الممزقة بين الهند والصين، وسريلانكا التي يثير فيها اسم الصين كراهية شديدة، وتركيا التي تقاتل الوكلاء الروس في ليبيا وسوريا، وبيلاروسيا - التي تبدو امتداداً لروسيا - ومنغوليا اللتان لا تستطيعان تقبل الاحتلال الصيني لمنغوليا الداخلية، وربما يكون العضو الوحيد المحتمل في المنظمة الذي ليس لديه مثل هذه العوائق هو كمبوديا.
ومن خلال تصنيف نفسه على أنه زعيم «القطب» الجديد، تحدث الرئيس بوتين أيضاً عن دعوة 4 دول عربية، بالإضافة إلى جزر المالديف، للانضمام إلى المنظمة، ووصف بعض المعلقين الغربيين على منظمة شنغهاي للتعاون بأنها «كتلة قوة جديدة»، وهو ما قد يكون حكماً متسرعاً بعض الشيء، إذ يعتمد أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على التجارة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا أكثر من اعتماد بعضها على بعض.
وفي عام 2020، شكلت التبادلات بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون أقل من 15 في المائة من إجمالي تجارتهم الخارجية، وصحيح أنه من المؤكد أن هذا قد يتغير لأن روسيا، التي تعد حالياً أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، تقدم خصومات هائلة، وهي تدخل بشكل كبير في أكبر سوقين للطاقة؛ الصين والهند، ولكن هذا سيحدث على حساب إيران والعراق اللذين يخسران سوقهما التركي لصالح روسيا.
وعلى أي حال، فإنه يمكن لهذا الاتجاه الجديد أن يخلق علاقة استعمارية جديدة تصدّر فيها روسيا المواد الخام إلى الصين وتستورد السلع المصنعة وخدمات الأعمال، ولكن في هذه الحالة فإنه لن يكون من السهل تشكيل التحالف الذي يحلم به الرئيس الروسي، وذلك بسبب الانقسامات الثقافية العميقة؛ حيث لم تنس موسكو هجوم 1967 على سفارتها في بكين وما تلاه من دعاية مناهضة لروسيا، كما أن حقيقة أن الرئيس الصيني شي جينبينغ رفض تأييد الاجتياح الروسي لأوكرانيا قد أدت إلى ثقب البالون الذي كان الرئيس بوتين يأمل في أن يطفو عليه.
وكان بوتين حريصاً على عدم ذكر أوكرانيا في قمة سمرقند على أمل أن يدعي لاحقاً أنه تلقى «الدعم الكامل» في اجتماعات خاصة مع القادة الحاضرين، ولكن تلك الحيلة فشلت عندما قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للرئيس الروسي: «إن هذه الحرب يجب أن تنتهي، فالآن ليس وقت الحرب!»، ما اضطر الرئيس الروسي إلى القول إنه يتفهم «مخاوف» مودي، ووعد بالعمل من أجل إنهاء الحرب... (ولكنه بعد ساعة صرح للتلفزيون الروسي قائلاً إنه لا يهتم إلى متى قد تستمر الحرب).
وستكون بشرى سارة في حال نجحت منظمة شنغهاي للتعاون في إقناع أعضائها بحل نزاعاتهم الإقليمية وإنهاء صراعاتهم، ولكن، للأسف، يبدو أن أعضاء هذه المنظمة الغريبة مدفوعون بدوافع مختلفة ومتناقضة في كثير من الأحيان.
ويمثل أعضاء المنظمة الذين حضروا في سمرقند نحو 40 في المائة من سكان العالم وأكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ناهيك عن وجود 4 من الدول التسع لديها ترسانات نووية بينهم، ومع ذلك، فإنه يبدو من غير المرجح أن تصبح المنظمة دعامة للاستقرار في أورآسيا، وذلك لأن أعضاءها يهتمون بالمخططات الصغيرة أكثر من اهتمامهم بالأفكار الكبرى الخاصة بالسلام والتعاون.
ويذكرنا خطاب أعضاء المنظمة بشخصية «إسحاق» في مسرحية الكاتب الإنجليزي جيمس إلروي فليكر التي تعود إلى القرن التاسع عشر، والتي كانت باسم «الطريق الذهبي إلى سمرقند»؛ حيث كان إسحاق تاجراً أسود سيئ السمعة يحاول أن يتملق لحراس بوابات المدينة ليوافقوا على مرور قافلته بهذه السطور التالية:
«نحن لا نسافر من أجل التجارة فقط، ولكننا نسلك الطريق الذهبي إلى سمرقند بسبب الرياح الأكثر سخونة هناك التي تعمل على تهدئة قلوبنا، وكذلك من أجل إشباع رغبتنا في معرفة ما لا ينبغي معرفته».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق الذهبي إلى سمرقند الطريق الذهبي إلى سمرقند



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon