توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصين والزعيم الأعلى الراسخ

  مصر اليوم -

الصين والزعيم الأعلى الراسخ

بقلم - أمير طاهري

عندما تولى منصب زعيم الصين قبل عشر سنوات، رحّب الخبراء ووسائل الإعلام الغربية بالرئيس شي جينبينغ بوصفه الرجل الذي سيفتح الطريق أمام إصلاحات سياسية كبرى تعكس التحول الاقتصادي المتزايد للنمر الآسيوي الصاعد، حتى إن البعض رأوا فيه نسخة أكثر حكمة من ميخائيل غورباتشوف، وتكهنوا بأنه قد يتبنى رواية نهاية التاريخ بقبوله للديمقراطية بوصفها الخيار الوحيد لقوة صناعية حديثة.
لكن بعد مرور عقد من الزمان أصبحنا ندرك مدى خطأ التقييمات المبكرة للرئيس شي جينبينغ. ومع استعداده للمؤتمر الوطني القادم للحزب الشيوعي الصيني بدايةً من 16 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، فإن شي قد يكون موضعاً لسوء فهم آخر؛ إذ يُقدّم هذه المرة بوصفه حاكماً طموحاً يهدد حلمَه بالهيمنة العالمية النظامُ العالمي الهش القائم منذ نهاية الحرب الباردة.
قبل عشر سنوات، أقنع سوء الفهم بشأن شي الديمقراطيات الغربية، لا سيما الولايات المتحدة واليابان، بفتح كل باب طرقته الصين. ووفقاً لأفضل التقديرات منذ تولي شي السلطة العليا، فإن الاستثمارات الغربية، واليابانية، والتايوانية في الصين زادت بأكثر من الضِّعف، في حين أبرمت الجمهورية الصينية اتفاقيات تجارية لطيفة مع الاتحاد الأوروبي، واليابان، والولايات المتحدة، وأستراليا. على سبيل المثال، ارتفع الاستثمار الأميركي المباشر في الصين من 50 مليار دولار إلى 118 مليار دولار في عام 2021.
في الوقت نفسه، فُتحت الأسواق العالمية الكبرى أمام الشركات الصينية، فيما بدا كأنه صفقة جيدة ساهم الغرب واليابان فيها برأس المال والتكنولوجيا وساهمت الصين بالسلع المُصنعة الجيدة ذات الأسعار المنخفضة، في دائرة مفيدة ساعدت على ترويض وحش التضخم العالمي.
في الأثناء ذاتها، اعتُبر تبني شي لسرد جديد يستند إلى قراءة انتقائية لتعاليم كونفوشيوس بمثابة إشارة إلى الابتعاد عن الخطاب الشيوعي والنسخة الماوية منه.
وبينما كانت الصين حريصة على عدم الانخراط بالقدر الكافي في القضايا السياسية العالمية كانت أيضاً سبباً في دعم الافتراض بأن شي لن يُشكل أبداً تهديداً للنظام العالمي الخاضع لهيمنة الغرب. لم تُوجه الدعوة قط إلى الصين لحضور لقاءات مجموعة الدول السبع الكبرى، وإلى مجموعة الثماني، التي ضُمت إليها روسيا، لفترة من الوقت. لكن رُحب بها في مجموعة العشرين، المنتدى الحواري، بوصفها واحدة مما تسمى «بلدان البريك»، إلى جانب الكثير من «الدول الناشئة» الأخرى.
نعلم الآن أن شي ومستشاريه كانوا يخوضون مباراة طويلة على الطريقة الصينية. وتوجه الاستراتيجية الصينية الكلاسيكية الخطى في كل حيد أو ميل على الطريق. على عكس الاستراتيجيات الغربية، فإنك لا تسعى أبداً إلى تحقيق هدف ما بصورة علنية، ولا تهاجم الخصم وجهاً لوجه قط، بل تختار دوماً سبيلاً ملتوياً.
نصح نابليون دائماً بالتصويب إلى قلب الخصم فيما يتصل بالحرب الشاملة، بينما كان كوتوزوف، المارشال الروسي الذي هزمه عام 1812، يلتزم على الأرجح بنصيحة المفكر العسكري الصيني صن تزو بتجنب الهجوم القوي، وتوجيه الضربات الساحقة فقط حينما يكون الخصم في موقف ضعيف.
وعليه، فإن النظرية الزاعمة بأن شي يعد الصين لحرب ضد الولايات المتحدة، ظاهرياً بشأن تايوان، ربما تكون أقرب إلى سوء الفهم بقدر اعتباره لدى البعض بأنه مثل حمار «سانشو بانزا» لأي «دون كيشوت» أميركي!
والسيناريوهات الكابوسية المتنوعة والكتب المؤلفة حول تصادم العمالقة يمكن أن تكون مستندة إلى نفس سوء الفهم المذكور.
ما من شك أن شي يُسدل الستار على صفحة افتُتحت في عهد هوا كو فينغ واستمرت في عهد دينغ زياو بينغ كزعيم أعلى، ثم لي شيانيان، وجيانغ زيمين، وهو جينتاو كرئيس للبلاد، حاولت فيه الصين ونجحت في ترسيخ نفسها كدولة طبيعية تلعب وفقاً للقواعد لكنها تُطالب أيضاً بالاحترام.
ما يريده شي الآن هو الاحترام على الأقل للقضايا التي يرى أنها تشكل أهمية بالغة لموقفه بوصفه في مركز السلطة في بكين.
لا شك أن شي سوف ينال الولاية الثالثة كزعيم أعلى، يجمع بين منصبه كأمين عام للحزب، ومنصب رئيس جمهورية الشعب، ورئيس اللجنة العسكرية. بعد تغييره لدستور الحزب، لم يعد ملزماً بالتقاعد في سن 68، وقد يبلغ السبعين من عمره العام المقبل، وربما يظل في السلطة لعشرية كاملة قادمة.
ورغم ذلك، فإن الأمور قد لا تكون بالسهولة التي يأملها شي.
الحزب الشيوعي الصيني، الذي يبلغ عدد أعضائه 98 مليون نسمة، عامر بالشباب والنساء الطموحين الذين ينظرون إلى شي جينبينغ، وغيره من الزعماء في جيله من زعماء الحزب، بوصفهم «الأمراء الحُمر»، أبناء الرعيل الأول من الشيوعيين الذين يَدينون بريادتهم وصعودهم للمحاباة والمحسوبية.
ثم هناك الآلة العسكرية الصينية الضخمة والسريعة النمو التي تستهلك أكثر من 200 مليار دولار من دخل البلاد كل عام، وتضم عشرات الآلاف من الضباط الشباب والمتعلمين والطموحين، الذين قد لا يرون في شي، الرجل الذي ليست لديه خلفية عسكرية، الحاكم الوحيد على مصير الأمة.
من المؤكد أن شي حاول إحباط أي تهديد لسلطته من خلال تطهير أكثر من 170 ألفاً من كوادر الحزب على المستويات كافة، وهي ليلة أكبر من السكاكين الطويلة في التاريخ الشيوعي الصيني منذ كان ماو «قائد الدفة العظيم». كما أنه فرض «أفكاره» كجزء من دستور الحزب الشيوعي الصيني، ويأمل في المؤتمر القادم أن يسمى «زعيم الشعب» (بينين)، على قدر المساواة بالزعيم ماو.
إذا رأى أنه بإمكانه الخروج من هذا المأزق، فسوف يُطالب أيضاً بتثبيت صورته العملاقة إلى جوار صورة ماو في ميدان السلام السماوي في بكين.
الصين، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 20 تريليون دولار، هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث يقدر أن يبلغ عدد الطبقة المتوسطة أكثر من 300 مليون نسمة. وليس من المؤكد على الإطلاق أن هذه الطبقة المتوسطة المتنامية، التي تبنت أنماطاً من الاستهلاك وأساليب الحياة على الطراز الغربي، سوف تتحمل إلى الأبد «حكم الرجل الواحد» الذي يحاول شي ترسيخه.
يواجه شي مشكلتين أخريين؛ أولاً، من الواضح أن الاقتصاد الصيني يتباطأ مع ركود مئات الشركات، وإلغاء عشرات الآلاف من المشاريع، في حين يَلوح التضخم المُصاحب بالركود في الأفق.
ثانياً، ما يعده البعض فساداً منهجياً، فقد شن شي حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد، حتى إنه أصدر أحكاماً بالإعدام ضد بعض كبار الشخصيات في الحزب. لكنّ كثيرين في الصين يشككون في أنه يستخدم الحملة كغطاء لطرد المعارضين خارج الحزب.
قد يأتي تحقيق شي للسلطة الشخصية الكاملة في وقت يتسم فيه موقفه الحقيقي بالضعف. ومن عجيب المفارقات، أن هذا قد يكون خبراً سيئاً للجميع. ولصرف الانتباه عن ضعف موقفه ربما يُذعن شي لإغراءات استعراض العضلات على الساحة العالمية، بما قد يترتب على ذلك من عواقب يتعذر التنبؤ بها.
لكن حتى إن لم يفعل ذلك، فقد لا يتمكن من المساعدة في إعادة روسيا وأوروبا من استشراف حافة الهاوية عبر إنهاء الحرب في أوكرانيا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين والزعيم الأعلى الراسخ الصين والزعيم الأعلى الراسخ



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon