توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من الأوليغاركيين إلى البلوتوقراطيين

  مصر اليوم -

من الأوليغاركيين إلى البلوتوقراطيين

بقلم - أمير طاهري

بحلول اللحظة الراهنة، أصبح معروفاً لدى أي شخص مهتم بالسياسة الدولية من هم الأوليغاركيون. إنهم أفراد فائقو الثراء، استغلوا ظروفاً سياسية خاصة لجمع ثروات ضخمة، غالباً على نحو غير مستحق، واستغلوا هذه الثروات بوصفها أدوات لممارسة النفوذ السياسي. وتبدو هذه الفئة في أشد صورها وضوحاً داخل روسيا وأوكرانيا خلال حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي؛ حيث يمتد وجودهم إلى أعلى المستويات السياسية.

ومع ذلك، يوجد أوليغاركيون كذلك في بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا، وأيضاً تركيا في ظل رئاسة رجب طيب إردوغان.

على الطرف الآخر من الطيف السياسي، المتمثل في الديمقراطيات الغربية التقليدية، لدينا البلوتوقراطيون الذين يلعبون دوراً مشابهاً، وإن كانوا يتحركون ضمن حدود قانونية وسياسية أكثر صرامة بعض الشيء. وغالباً ما يدين البلوتوقراطيون الغربيون بثرواتهم لعبقريتهم الابتكارية وذكائهم بمجال الأعمال. بيد أن ذلك لا ينفي أنهم يستفيدون كذلك من علاقاتهم الوثيقة بالنخبة الحاكمة، من خلال تقديمهم دعما ماليا لحملات انتخابية، وببعض الحالات، الرشوة المباشرة أو حصولهم على معلومات داخلية غير معلنة.

وقد يبدو البلوتوقراطيون الغربيون أكثر استقامة من الناحية السياسية، لأنهم غالباً ما يخفون تدخلاتهم السياسية خلف أسماء إنسانية. مثلاً، نجد أن بيل غيتس يرغب في إنقاذ الكوكب، بينما يساور جورج سوروس القلق إزاء مستقبل الديمقراطية داخل أميركا. أما بلوتوقراطيو فرنسا، فهم مهتمون بمكافحة الفقر في أفريقيا، وتقديم يد العون للمهاجرين كي يتمكنوا من التكيف مع الثقافة الفرنسية الجديدة.

في الواقع، التدخلات الكارثية للأوليغاركية في السياسة معروفة للغاية، لدرجة تقضي على أي حاجة لنا إلى تقديم مزيد من الشرح لها. إلا أن التساؤل هنا: ماذا عن سجل البلوتوقراطيين؟ تساؤل يستحق الاهتمام، لأنه في الوقت الحالي يشارك اثنان من البلوتوقراطيين الأميركيين في محاولات لحل اثنتين من أبرز المشكلات الدولية. إيلون ماسك، صاحب شركتي «إكس» و«تسلا»، والمعروف بأنه أغنى رجل على وجه الكوكب، يقول إن لديه خطة لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا. أما جورج سوروس، الذي يعمل الآن من خلال ابنه، فمنهمك في الترويج لاتفاق بين طهران وواشنطن، بهدف توفير دفعة زخم لحملة الانتخابات المقبلة للرئيس جو بايدن، تحتاج إليها الحملة بشدة، (بافتراض أن بايدن يفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له ثانية)،

ويعكف سوروس، والآن ابنه، على خطتهما الضخمة لإعادة الجمهورية الإسلامية في إيران إلى الساحة العالمية منذ نحو ثلاثة عقود. في البداية، وضعا رهانهما على الرئيس محمد خاتمي، الذي يستشهد بأقوال فلاسفة غربيين في حديثه، ويدعو إلى «حوار الحضارات».

من جانبه، التقى سوروس الأب عدداً من المسؤولين الإيرانيين البارزين في نيويورك، وعلى هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، علاوة على تجنيده مجموعة من الإيرانيين ممن تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ويعملون لصالح الملالي الحاكمين في طهران. بلغت الخطة ذروتها عندما استولى ما يسمى «صبية نيويورك» على السلطة التنفيذية في حكومة طهران تحت رئاسة حسن روحاني.

ومع ذلك، ومثلما كان متوقعاً، فشل سيناريو سوروس في النهاية، بسبب أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي راودته آمال أكبر فيما يخص الجمهورية الإسلامية. ولدى خامنئي اعتقاد بأن الغرب في حالة انحدار، في حين تصعد الصين وروسيا وإيران بعدّها قوى تقود نحو «نظام عالمي جديد»، مصطلح مستعار من الرئيس جورج دبليو الأب. ومع ذلك، نعلم الآن أن هذا الثلاثي القيادي لا يوجد سوى في خيالات خامنئي. الملاحظ أن الصين وروسيا تتعاملان مع إيران باعتبار أنه من الأفضل إبقاؤها بعيداً. واليوم، بدأنا نسمع انتقادات حادة على نحو يثير الدهشة لكل من الصين وروسيا حتى داخل البرلمان الإيراني. وعلى ما يبدو، يجبر التضخم المفرط، والسخط العام المتفاوت الحدة والانقسام المتزايد داخل النخبة الحاكمة، «المرشد الأعلى» ومساعديه المقربين على التفكير في تحرك آخر مستوحى من نظريته المسماة «المرونة البطولية»، التي تقتضي أن تتبنى الجمهورية الإسلامية موقفاً معقولاً لفترة حتى تتجاوز العاصفة التي تواجهها بفعل القدر والأعداء.

عامل آخر مهم يتمثل في السن المتقدمة لخامنئي، التي تضفي إلحاحية على مسألة اختيار خليفة، أو على الأقل آلية لاختيار الخليفة. اللافت أن خطوات أولى خجولة نحو «المرونة البطولية» بدأت بالفعل. في هذا الإطار، جرى إطلاق سراح معظم الرهائن الأميركيين، ومزدوجي الجنسية الذين يحملون جوازات سفر أميركية.

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، إذا كان بايدن حينها مرشحاً للرئاسة، فسيكون باستطاعته ادعاء أنه للمرة الأولى خلال نحو نصف قرن لا يجري احتجاز مواطنين أميركيين رهائن في إيران، الأمر الذي فشل في تحقيقه ستة رؤساء قبل بايدن.

الأسبوع الماضي في نيويورك، كان رئيس الجمهورية الدكتور إبراهيم رئيسي يقدم أفضل صور سلوكه. في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نأى عن الانتقادات المعتادة للولايات المتحدة، وتجنب شعار «يجب محو الكيان الصهيوني». كما عقد اجتماعاً مع عدد من الشخصيات اليهودية الأميركية الداعمة لخطة السلام التي قدمها سوروس، وذلك لأسباب مختلفة، منها معارضة لبنيامين نتنياهو، ناهيك عمن الأمل الساذج في أن الجمهورية الإسلامية قد تبدل سلوكها.

في المقابل، اتخذت إدارة بايدن ترتيبات فك تجميد بعض الأصول الإيرانية المحتجزة لدى كوريا الجنوبية، وتبلغ قيمتها نحو 6 مليارات دولار، متجاهلة في الوقت نفسه العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية التي تتجاوز الحد المحدد بمعدل 1.1 مليون برميل يومياً، والمفروضة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب.

التساؤل هنا: هل سينجح سيناريو السلام الذي طرحه البلوتوقراط؟ أشك في ذلك، فالمعاداة الأميركية والمعاداة لإسرائيل تشكلان هوية النظام الحاكم في إيران. وعليه، فإن أي تراجع على هذين الصعيدين قد يجعل من الضروري أن يصبح التطبيع الكامل لا مفر منه. وإذا حدث ذلك، فمن غير المحتمل أن تستمر إيران، التي يغلب على هرمها السكاني الشباب، وتتطلع إلى لعب دور مناسب في العالم الحديث، في الخضوع لحكم نخبة ضيقة تتألف من رجال دين وشخصيات أمنية لا تملك شيئاً جديداً لتقديمه.

على مدى العامين الماضيين، تحركت إيران في فضاء حدودي بين رؤيتين للمستقبل، وسردين حول ما يعنيه أن تكون إيرانياً في القرن الحادي والعشرين.

في عشرينات القرن الماضي، قدم الملياردير الأميركي الأوكراني المولد أرماند هامر، سيناريو مماثلا مع الاتحاد السوفياتي، الناشئ حينها، تحت قيادة لينين. ونجح في إقناع واشنطن بإعطاء البلاشفة فرصة لاكتشاف روعة اكتساب الثراء من خلال الرأسمالية والتجارة. وفاز هامر في الجدال وفاز لينين في الحرب الأهلية، ولولا «الشيطان الأكبر» الذي ضخ الأموال في آلة حربه، لكان قد خسرها.

في ثلاثينات القرن الماضي، حاول آخرون من البلوتوقراط الأميركيين ترويض أدولف هتلر باسم إنقاذ السلام في أوروبا. ومع ذلك، فإن «سفينة الحمقى» لهنري فورد وكراهيته الشديدة للسامية، زادتا من تعطش الوحش النازي للدماء والغزو.

قبل نحو 20 عاماً، احتشدت مجموعة من البلوتوقراط البريطانيين في منزل السفير الكويتي في لندن، وأخبروا الضيوف أن «مشكلة فلسطين» ستحل من خلال ضخ 200 مليون جنيه إسترليني في اقتصاد الضفة الغربية، وتوفير «سكن لائق ومراكز تسوق حديثة» للفلسطينيين.

أما الرجل الذي تولى مسؤولية إدارة هذه المعجزة، فكان بيتر هينز، الوزير المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في حكومة رئيس الوزراء توني بلير.

نهاية الأمر، رحل هينز جنباً إلى جنب مع الـ200 مليون جنيه إسترليني التي ربما، وليغفر لنا الله، انتهى بها المطاف إلى الحسابات الخاصة لمسؤولين فلسطينيين وبلوتوقراط فاسدين في بنوك غربية.

إذا كانت الحرب أمراً جدياً لا ينبغي أن يترك للجنرالات، فإن السياسة الدولية أكثر جدية إذا تركت للأوليغاركيين في الشرق والمليارديرات في الغرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الأوليغاركيين إلى البلوتوقراطيين من الأوليغاركيين إلى البلوتوقراطيين



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon