توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران: طرح صورة جديدة

  مصر اليوم -

إيران طرح صورة جديدة

بقلم - أمير طاهري

«طفل القطران» ثاني قصص «العم ريموس» التي نشرت في الولايات المتحدة عام 1881. في إطار القصة، استحضر الثعلب الشرير «برير» دمية مصنوعة من القطران والتربنتين، من أجل استغلاله في الإيقاع بـ«الأرنب برير»، وكلما حاول الضحية الإفلات، يتورط أكثر فأكثر. وثمة العديد من الأحداث التي وقعت بالفترة الأخيرة تثير في ذهن المرء هذه القصة الأميركية التحذيرية.

العام الماضي، نشرت الصين الخريطة النهائية لمشروعها العالمي الذي يحمل اسم «عالم واحد وطريق واحدة»، تاركة خلفها إيران تماماً. والشهر الماضي، أعلنت تركمنستان خريطتها لمشروع خط شاحنات طاقة لنقل النفط والغاز من آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر بحر قزوين وأذربيجان وتركيا. وقد جرت صياغة الصورة الأولية من المشروع منذ خمس سنوات، بحيث يمر خط الشاحنات عبر إيران إلى تركيا، بدلاً عن تجنب الجمهورية الإسلامية.

الأسبوع الماضي، حان الدور على الهند لتنشر خريطتها لربط بحري وبري مع أوروبا من خلال خليج مومباي وشبه الجزيرة العربية وصولاً إلى البحر المتوسط.

وأخيراً، يبدو في حكم المؤكد اليوم أن الرئيس جو بايدن تخلى عن كل الأمل في استيعاب الجمهورية الإسلامية من خلال تلفيق «اتفاق نووي» جديد وطرحه باعتباره نصراً دبلوماسياً قرب انعقاد الانتخابات الرئاسية. والآن، يجري تصوير روبرت مالي، الرجل المسؤول عن هذه الخطة المهجورة الآن، والذي ظل يدافع لسنوات عن طهران ويسوق لها الأعذار، في وسائل الإعلام الإيرانية باعتباره محط كراهية عميقة.

ولا يعتبر مالي أول مسؤول غربي متعاطف مع الخميني يشهد دمار مسيرته المهنية بسبب «طفل القطران» في طهران.

يذكر أن روبرت مكفارلين، والذي عمل نائباً لمستشار الأمن الوطني للرئيس رونالد ريغان، والذي خاض مقامرة القيام برحلة سرية إلى طهران، باستخدام جواز سفر آيرلندي مزور، حاملاً معه حمولة طائرة من الأسلحة غير القانونية ووعد بتوفير المزيد.

ومع ذلك، كشف صراع القوى داخل طهران عن هويته الحقيقية، وانتهت حياته السياسية. وأصيب جراء ذلك باكتئاب شديد، بل وحاول الانتحار. كما مثُل المقدم أوليفر نورث، معاونه في مغامرته مع «طفل القطران» بطهران، أمام المحكمة وأدين وسجن. أما العضو الثالث في المغامرة، أميرام نير، من جهاز «الموساد»، فقد لقي مصرعه في هجوم غامض بالمكسيك.

ديفيد كيمش، إسرائيلي آخر من المدافعين البارزين عن «تطبيع» العلاقات مع طهران، كان يؤمن بصدق أنه حتى المعاونة في تأسيس «حزب الله» داخل لبنان، لسحق منظمة التحرير الفلسطينية، شكلت حركة حكيمة على الصعيد الإقليمي.

وقد جذب «طفل القطران» العديد من كبار السياسيين الفرنسيين. على سبيل المثال، تحول فيليب بونز، الذي كان ذات وقت شخصية بارزة داخل الدائرة السياسية المحيطة بجاك شيراك، إلى مستشار للجمهورية الإسلامية، بينما عملت ابنته محامية لصالح السفارة الإيرانية في باريس. غني عن القول، أن بونز سرعان ما اكتشف أن فشله في تخليص «طفل القطران» من القطران كان يعني نهاية مسيرته السياسية.

كما جعل غاي جورجي، الدبلوماسي المتميز، من الدعوة إلى إقامة علاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية قضية كبرى له، وانتهى الأمر بتعيينه سفيراً في طهران. إلا أن عيد الحب مع «طفل القطران» لم يدم طويلاً؛ فقد جرى اقتحام السفارة الفرنسية من قِبل «طلاب يسيرون على نهج الإمام» واحتجزوا جورجي رهينة لفترة وجيزة.

وكان الصحافي والدبلوماسي إريك رولو شخصية أخرى ممن حلموا باحتضان «طفل القطران»، والتخلص منه لاحقاً عند الرغبة. ومع ذلك، انتهى به الأمر لأن يجري إخطاره أنه إذا وطئت قدمه طهران مرة أخرى، فسينتهي به الأمر رهينة. ومع ثبوت خطأ توقعاته بأن تصبح الجمهورية الإسلامية معتدلة، كان لا بد من إنهاء مسيرته الصحافية والدبلوماسية.

في بريطانيا، بذل عدد من الشخصيات السياسية، بما في ذلك وزير الخزانة السابق اللورد لامونت، كل ما بوسعهم لتغيير صورة الجمهورية الإسلامية، لكن جهودهم مُنيت بالفشل. بجانب ذلك، عمل زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين في التلفزيون الإسلامي الرسمي لمدة 13 عاماً، وانتهى الأمر بأن نظر إليه ناخبوه باعتباره مرتبطاً بـ«طفل القطران».

أما جاك سترو، فكان أكثر من بذل جهوداً بين السياسيين البريطانيين لتحسين صورة طهران، خلال فترة توليه حقيبة الخارجية في عهد رئيس الوزراء توني بلير. من جانبي، أعتقد أن ذلك يعود في الجزء الأكبر منه إلى حسن النية، وليس لتحقيق مكاسب شخصية. ومع ذلك، فقد نجا بأعجوبة من احتجازه كرهينة، عندما كان يزور إيران مع زوجته بدعوة من الرئيس آنذاك حسن روحاني.

ولم يكن «طفل القطران» أكثر لطفاً مع رفاقه الإيرانيين. ويتجلَّى ذلك في أن جميع المواطنين مزدوجي الجنسية تقريباً المحتجزين كرهائن في طهران، هم من جماعات الضغط المناصرة لطهران، ومن اخترقوا العقوبات والدعاة المدافعين عن الجمهورية الإسلامية. وينتهي الأمر بهؤلاء كرهائن؛ لأن الفصيل المنافس داخل النخبة الحاكمة داخل طهران يشعر بالسخط تجاههم لوقوفهم إلى جانب «الفصيل الخطأ».

هذه الأيام، يصرّ صناع السياسات والمحللون على أن «طفل القطران» قد تغير. ويزعمون أن «سلوك طهران غير المقبول» فيما مضى، كان بسبب مخاوف الفصيل الخميني المتطرف من أن «الجانب الآخر»، أي أولئك الذين يشيدون بالاتفاق مع الولايات المتحدة، قد ينجحون ويستخدمون نجاحهم لاستبعاد الفصيل الراديكالي. تبعاً لهذه الرواية؛ أصبح الراديكاليون يسيطرون الآن على جميع مقاليد السلطة، ولم يعودوا يخشون أن يزيحهم «طالبو الإصلاح» المرتبطون بواشنطن. وبالتالي، فإن احتضان «طفل القطران» الجديد اليوم قد لا يكون محفوفاً بالمخاطر مثلما كان على مدى نحو أربعة عقود.

جرى إرسال هذه الرسالة كذلك إلى قرابة 8 ملايين إيراني في الشتات، والذين يخشون من أن العودة إلى وطنهم، ولو لمجرد قضاء العطلة، قد تجعلهم عالقين مع «طفل القطران».

الشهر الماضي، دعا رئيس المحكمة الإسلامية آية الله محسني ايجائي، المنفيين الإيرانيين إلى «العودة إلى وطنهم وقتما شئتم. لن يتم إلقاء القبض عليكم بالمطار. نحن نأخذ جواز سفرك لبضعة أيام فقط، وإذا كان هناك أي سبب للتحقيق فسوف يجري ذلك بسرعة».

وقد بعث رئيس الجمهورية آية الله الدكتور إبراهيم رئيسي برسالة مماثلة إلى الأجانب الراغبين في الاستثمار في إيران. وربما يضفي إطلاق سراح العديد من الرهائن الأجانب في الفترة الأخيرة مصداقية على هذه الدعوة. إلا أنه في الوقت الحالي، لا تزال الصين والهند وروسيا، ناهيك من الاتحاد الأوروبي واليابان، غير راغبة في احتضان «طفل القطران».

ويأمل رئيسي في معالجة هذه المخاوف عندما يشارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. والآن، «المشتبه بهم المعتادون» الذين لطالما حاولوا تحسين صورة «طفل القطران»، يجهّزون له منصة ليعزف هذه النغمة الجديدة - فهل سينجحون في إغواء أي شخص جديد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران طرح صورة جديدة إيران طرح صورة جديدة



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon