توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفريقيا... القارة التي تبيض ذهباً

  مصر اليوم -

أفريقيا القارة التي تبيض ذهباً

بقلم - أمير طاهري

ومع ذلك، فإنه في الوقت الذي استغرق الأمر 10 سنوات لاكتشاف أن «إعادة الضبط» التي تحدثت عنها هيلاري ليست سوى وهم خطير، فإن استخدام بلينكن لهذا «الكليشيه» اتضح أنه مجرد حماقة كبرى أخرى، في غضون أقل عن عامين. بطبيعة الحال، دبرت إدارة بايدن التمثيلية الدبلوماسية المعتادة، عبر عقد قمة أميركية ـ أفريقية أثمرت عدداً لا حصر له من الصور الفوتوغرافية، بجانب وعود رائعة. وذهبت واشنطن إلى أبعد عن ذلك بإرسال قوة إلى النيجر للقضاء على «الجماعات الإرهابية» في منطقة الساحل بمساعدة القوات الفرنسية وقوات أخرى من الاتحاد الأوروبي.

إلا أنه منذ ذلك الحين، سارت عملية «إعادة الضبط» ضد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. شهدت 4 من دول الساحل انقلابات عسكرية، أوصلت إلى السلطة جنرالات مناهضين للغرب، تغطي صدورهم أوسمة متنوعة. وشهدت الغابون، وهي ليست بعيدة عن منطقة الساحل، تغييراً في النظام تحقق من خلال ما يبدو كأنه انقلاب في القصر. وفي جميع البلدان المعنية، ظهرت الأعلام الروسية وشارات جيش المرتزقة «فاغنر» في مظاهرات «عفوية» مناهضة للغرب ومؤيدة للانقلابيين.

إذا كان المراقبون المخضرمون لأفريقيا على حق، فإن 8 دول أخرى على الأقل في القارة قد تشهد هي الأخرى انقلابات عسكرية خلال العامين المقبلين.

وقد سلطت الجمعية العامة الحالية للأمم المتحدة، المنعقدة في نيويورك، الضوء على أفريقيا باعتبارها أحدث مسرح لتنافس القوى الكبرى بين الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وعلى نطاق أصغر تركيا، في خضم محاولاتهم توسيع دائرة نفوذهم، أو على الأقل حماية النفوذ الذي يحظون به بالفعل.

من جانبهم، أعلن الدبلوماسيون الفرنسيون رسالة، مفادها أن العالم قد يحتاج إلى مؤتمر دولي لوضع خطوط ترسيم الحدود الدبلوماسية في أفريقيا. وتبدو هذه الدعوة بمثابة عودة إلى مؤتمر برلين عام 1887 عندما عكفت القوى الاستعمارية الأوروبية على تقسيم «القارة السمراء» فيما بينها، مع إعطاء الولايات المتحدة لقمة صغيرة في صورة ليبيريا، الدولة التي أنشأتها واشنطن على أمل إقناع الأميركيين أصحاب الأصول الأفريقية بـ«العودة إلى الوطن».

اليوم، لم تعد أفريقيا كما كانت من قبل، فبعد مرور جيلين على الاستقلال، الذي اتسم بكثير من الإخفاقات، ومع ذلك ظل يبعث على الفخر والأمل بين الأفارقة، لم يعد بمقدور «القوى الكبرى» ممارسة اللعبة، تبعاً لقواعدها الخاصة. اليوم، يجري النظر إلى أفريقيا باعتبارها مصدر تهديد ديموغرافي وإمكانات واعدة في ذات الوقت. ويأتي التهديد المفترض من الانفجار الديموغرافي، الذي يمكن أن يدفع بأعداد لا حصر لها من المهاجرين المحتملين، ليس باتجاه أوروبا فقط، وإنما كذلك إلى الشرق الأوسط. بجانب ذلك، تحولت أجزاء من القارة إلى ملاذات لمجموعات متنوعة من الإرهابيين، أو كما يسميها أوباما الجماعات «المتطرفة العنيفة»، باعتبار أفريقيا بديلاً للأراضي الوعرة في أفغانستان وسوريا التي مزقتها الحرب.

في المقابل، ترتبط الإمكانات الوعيدة بالموارد الطبيعية الهائلة وغير المستغلة في معظمها داخل القارة. وتضم أفريقيا نحو 16 في المائة من سكان العالم، بينما بها قرابة 60 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة على ظهر الكوكب.

ومع ذلك، تقف 14 دولة على الأقل من أصل 56 دولة في القارة على بعد أشهر قليلة من المجاعة، طبقاً لبرنامج الغذاء العالمي، في حين تعاني 30 دولة أخرى من نقص الغذاء والجوع المزمن. في كثير من الحالات، فإن اقتصاد المحاصيل النقدية، الذي يوفر ما تريده الدول الغنية، يحول دون إنتاج المواد الغذائية الأساسية اللازمة للسكان المحليين. مثلاً، نجد أن زراعات البن والكاكاو والقطن تجعل كل دول غرب أفريقيا تقريباً معتمدة على واردات الأرز والقمح والحبوب الأخرى، ومن هنا تحديداً جاءت التداعيات الكارثية للحرب الروسية في أوكرانيا. وإذا ما جرى توجيه مواردها نحو إطعام أبناء المنطقة، فإن غينيا وحدها قادرة على أن تصبح سلة غذاء منطقتها.

وتثير الموارد المعدنية الهائلة في أفريقيا، بما في ذلك بعض أندرها وأكثرها طلباً، شهية كبيرة للهيمنة الاستعمارية، وإن كان ذلك في أشكال جديدة، من بينها العقود طويلة الأجل، والقروض التي ينتهي جزء منها في جيوب قلة، وبطبيعة الحال، قوات عسكرية رمزية في أكثر عن 20 دولة.

من ناحيتها، تحاول النخب الحاكمة المحلية دوماً، وبسبب قلقها إزاء مستقبلها، بناء ملاذات لأنفسها في العواصم الاستعمارية السابقة. كشف الحكام العسكريون الجدد في الغابون أن الديكتاتور المخلوع علي بونغو، ووالده الرئيس الراحل عمر علي بونغو، توليا تمويل جميع الأحزاب السياسية الفرنسية، من تياري اليمين واليسار، باستثناء الحزب الشيوعي، على مدار ما يزيد عن نصف قرن.

المشكلة أنه رغم رغبة «القوى الكبرى» في الحصول على الموارد الأفريقية، فإن أياً منها لا يملك النفوذ، أو دعنا نقول، القوة اللازمة لفرض أجندة استعمارية جديدة على القارة. بجانب ذلك، تفتقر كل من الصين وروسيا، المنضمتين حديثاً إلى اللعبة الكبرى، إلى المعرفة وشبكة الاتصالات والجاذبية السياسية والثقافية التي من دونها لا يمكن لأي مخطط إمبريالي أو إمبريالي جديد أن ينجح.

إن الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، اللتين ما تزالان تتمتعان بمثل هذه المزايا، تعوقها حقيقة أن الرأي العام لديها غير مبالٍ، وربما معادٍ، لأي علاقات خاصة مع «القارة السمراء». أما الولايات المتحدة فتبدو غارقة في حربها الأهلية الثقافية والسياسية، لدرجة أن قِلة قليلة فقط قد يرغبون في الاعتماد عليها كحليف أو شريك طويل الأمد.

من ناحية أخرى، لا تبدو فكرة عقد مؤتمر كبير حول أفريقيا مقبولة، خاصة أن مثل هذا المؤتمر ربما يطلق ناقوس الخطر بشأن الاستعمار الجديد، علاوة على أنه من غير المحتمل أن يحظى بدعم شعبي داخل القارة وخارجها. الأمر الذي من دونه يبدو الفشل محتوماً. والأهم من ذلك أن الدول الأفريقية تعاني كثيراً للغاية من المشكلات الثنائية ومتعددة الأطراف الخاصة بها، حيث لا يمكنها الوقوف جبهة موحدة في أي عملية «إعادة ضبط» دولية.

اليوم، تتكون أفريقيا من 56 تجربة مختلفة في بناء الأمم، شهدت بعض النجاحات الملحوظة وكثيراً من الإخفاقات الحتمية. وفي كثير من البلدان الأفريقية، دخل لاعب جديد إلى اللعبة، جيل أصغر سناً وأفضل تعليماً، وأكثر طموحاً، وفي الوقت نفسه أقل سذاجة من أسلافه في القرن التاسع عشر الذين تحولوا بأعينهم بعيداً، بينما كانت القوى الإمبراطورية تستنزف خيرات الدجاجة الذهبية.

ومع تعذر التوصل إلى خطة واحدة تناسب الجميع، ربما تكون أفضل طريقة «لإعادة ضبط» العلاقات مع أفريقيا العمل على أساس ثنائي. ومع عودة الدولة القومية، حتى في أوروبا القديمة، ليس ثمة ما يمنعنا من النظر إليها باعتبارها أفضل وسيلة لإعادة تعريف دور أفريقيا في إعادة تشكيل النظام العالمي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفريقيا القارة التي تبيض ذهباً أفريقيا القارة التي تبيض ذهباً



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon